15- ودخل موسى المدينة في وقت غفل فيه أهلها ، فوجد فيها رجلين يقتتلان : أحدهما من بني إسرائيل ، والآخر من قوم فرعون ، فاستعان به الإسرائيلي على خصمه فأعانه موسى ، وضرب الخصم بقبضة يده فقتله من غير قصد . ثم أسف موسى ، وقال : إنَّ إقدامي على هذا من عمل الشيطان . إن الشيطان لعدو ظاهر العداوة واضح الضلال .
قوله تعالى : { ودخل المدينة } يعني : دخل موسى المدينة . قال السدي : هي مدينة منف من أرض مصر . وقال مقاتل : كانت قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر . وقيل : مدينة عين الشمس ، { على حين غفلة من أهلها } وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة . وقال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء . واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت ، قال السدي : وذلك أن موسى عليه السلام كان يسمى ابن فرعون ، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه ، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها نصف النهار ، وليس في طرفها أحد فذلك قوله عز وجل : { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } . قال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به ، فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه ، فخالفهم في دينهم حتى ذكر منه وخافوه وخافهم ، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً ، فدخلها يوماً على حين غفلة من أهلها . وقال ابن زيد : لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره ، فأراد فرعون قتله ، قالت امرأته : هو صغير ، فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته ، فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ، يعني : عن ذكر موسى ، أي : من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم . وروي عن علي في قوله : { حين غفلة } قال كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم . { فوجد فيها رجلين يقتتلان } يختصمان ويتنازعان ، { هذا من شيعته } من بني إسرائيل ، { وهذا من عدوه } من القبط ، قيل : الذي كان من شيعته السامري ، والذي من عدوه من القبط ، قيل : طباخ فرعون اسمه فاتون . وقيل : هذا من شيعته . وهذا من عدوه أي : هذا مؤمن وهذا كافر : وكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع ، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى ، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم ، فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون ، { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، والاستغاثة : طلب الغوث ، فغضب موسى واشتد غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ، ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى ، فقال للفرعوني : خل سبيله ، فقال : إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك ، فنازعه ، فقال الفرعوني : لقد هممت أن أحمله عليك ، وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش ، { فوكزه موسى } وقرأ ابن مسعود : فلكزه موسى ، ومعناهما واحد ، وهو الضرب بجميع الكف . وقيل : الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر . وقال الفراء : معناهما واحد ، وهو الدفع ، قال أبو عبيدة : الوكز الدفع بأطراف الأصابع ، وفي بعض التفاسير : عقد موسى ثلاثاً وثمانين وضربه في صدره ، { فقضى عليه } أي : فقتله وفرغ من أمره ، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ، فندم موسى عليه السلام ، ولم يكن قصده القتل ، فدفنه في الرمل ، { قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } أي : بين الضلالة .
ثم حكى - سبحانه - بعض الأحداث التى تعرض لها موسى - عليه السلام - فى تلك الحقبة من عمره فقال : { وَدَخَلَ المدينة على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } .
والمراد بالمدينة : مصر ، وقيل : ضاحية من ضواحيها ، كعين شمس ، أو منف .
وجملة { على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } حال من الفاعل . أى : دخلها مستخفيا .
قيل : والسبب في دخوله على هذه الحالة ، أنه بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون ، فخافهم وخافوه . فاختفى وغاب ، فدخلها متنكرا .
أى : وفى يوم من الأيام ، وبعد أن بلغ موسى سن القوة والرشد ، دخل المدينة التى يسكنها فرعون وقومه : { على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } أى : دخلها مستخفيا فى وقت كان أهلها غافلين عما يجرى فى مدينتهم من أحداث ، بسبب راحتهم فى بيوتهم فى وقت القيلولة ، أو ما يشبه ذلك .
{ فَوَجَدَ } موسى { فِيهَا } أى فى المدينة { رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أى : يتخاصمان ويتنازعان فى أمر من الأمور .
{ هذا مِن شِيعَتِهِ } أى : أحد الرجلين كان من طائفته وقبيلته . أى : من بنى إسرائيل : { وهذا مِنْ عَدُوِّهِ } أى : والرجل الثانى كان من أعدائه وهم القبط الذين كانوا يسيمون بنى إسرائيل سوء العذاب .
{ فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ } أى : فطلب الرجل الإسرائيلى من موسى ، أن ينصره على الرجل القبطى .
والاستغاثة : طلب الغوث والنصرة ، ولتضمنه معنى النصرة عدى بعلى .
{ فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ } والفاء هنا فصيحة . والوكز : الضرب بجميع الكف .
قال القرطبى : والوكز واللكز واللهز بمعنى واحد ، وهو الضرب بجميع الكف .
أى : فاستجاب موسى لمن استنصره به ، فوكز القبطى ، أى : فضربه بيده مضمومة أصابعها فى صدره ، { فقضى عَلَيْهِ } أى : فقتله . وهو لا يريد قتله ، وإنما كان يريد دفعه ومنعه من ظلم الرجل الإسرائيلي .
والتعبير بقوله - تعالى - : { فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ } يشير إلى أن موسى - عليه السلام - كان على جانب عظيم من قوة البدن ، كما يشير - أيضا - إلى ما كان عليه من مروءة عالية . حملته على الانتصار للمظلوم بدون تقاعس أو تردد .
ولكن موسى - عليه السلام - بعد أن رأى القبطى جثة هامدة ، استرجع وندم ، وقال : { هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان } أى : قال موسى : هذا الذى فعلته وهو قتل القبطى ، من علم الشيطان ومن وسوسته ، ومن تزيينه .
{ إِنَّهُ } أى : الشيطان { عَدُوٌّ } للإنسان { مُّضِلٌّ } له عن طريق الحق { مُّبِينٌ } أى : ظاهر العداوة والإضلال .
ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ، فوجد فيها رجلين يقتتلان : هذا من شيعته وهذا من عدوه ؛ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ؛ فوكزه موسى فقضى عليه . قال : هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين . قال : رب إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ، فغفر له ، إنه هو الغفور الرحيم . قال : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين . .
ودخل المدينة . . والمفهوم أنها العاصمة وقتئذ . . فمن أي مكان جاء فدخلها ? وهل كان من القصر في عين شمس ? أم إنه كان قد اعتزل القصر والعاصمة ، ثم دخل إليها على حين غفلة من أهلها ، في وقت الظهيرة مثلا حين تغفو العيون ?
لقد دخل المدينة على كل حال ( فوجد فيها رجلين يقتتلان . هذا من شيعته وهذا من عدوه . فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه ) . .
وقد كان أحدهما قبطيا - يقال إنه من حاشية فرعون ، ويقال إنه طباخ القصر . والآخر إسرائيلي . وكانا يقتتلان . فاستغاث الإسرائيلي بموسى مستنجدا به على عدوهما القبطي . فكيف وقع هذا ? كيف استغاث الإسرائيلي بموسى ربيب فرعون على رجل من رجال فرعون ? إن هذا لا يقع إذا كان موسى لا يزال في القصر ، متبنى ، أو من الحاشية . إنما يقع إذا كان الإسرائيلي على ثقة من أن موسى لم يعد متصلا بالقصر ، وأنه قد عرف أنه من بني إسرائيل . وأنه ناقم على الملك والحاشية ، منتصر لقومه المضطهدين . وهذا هو الأنسب لمن في مقام موسى - عليه السلام - فإنه بعيد الاحتمال أن تطيق نفسه البقاء في مستنقع الشر والفساد . .
والوكز الضرب بجمع اليد . والمفهوم من التعبير أنها وكزة واحدة كان فيها حتف القبطي . مما يشي بقوة موسى وفتوته ، ويصور كذلك انفعاله وغضبه ؛ ويعبر عما كان يخالجه من الضيق بفرعون ومن يتصل به .
ولكن يبدو من السياق أنه لم يكن يقصد قتل القبطي ، ولم يعمد إلى القضاء عليه . فما كاد يراه جثة هامدة بين يديه حتى استرجع وندم على فعلته ، وعزاها إلى الشيطان وغوايته ؛ فقد كانت من الغضب ، والغضب شيطان ، أو نفخ من الشيطان :
ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قَدَّر له من النبوة والتكليم : قضية قتله ذلك القبطي ، الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين ، فقال تعالى : { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا } قال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : وذلك بين المغرب والعشاء .
وقال ابن المنْكَدر ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس : كان ذلك نصف النهار . وكذلك قال سعيد بن جبير ، وعِكْرمة ، والسُّدِّي ، وقتادة .
{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ } أي : يتضاربان ويتنازعان ، { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } أي : من بني إسرائيل{[22234]} ، { وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أي : قبطي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق . فاستغاث الإسرائيلي بموسى ، عليه السلام ، ووجد موسى فرصة ، وهي غفلة الناس ، فعمد إلى القبطي { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } .
قال مجاهد : وكزه ، أي : طعنه بجُمْع{[22235]} كفه . وقال قتادة : وكزه بعصا كانت معه .
{ فَقَضَى عَلَيْهِ } أي : كان فيها حتفه فمات ، قال موسى : { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىَ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هََذَا مِن شِيعَتِهِ وَهََذَا مِنْ عَدُوّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىَ فَقَضَىَ عَلَيْهِ قَالَ هََذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَدُوّ مّضِلّ مّبِينٌ } .
يقول تعالى ذكره : وَدَخَلَ موسى المَدِينَةَ مدينة مَنْف من مصر عَلى حِينَ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها وذلك عند القائلة نصف النهار .
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت ، فقال بعضهم : دخلها متبعا أثر فرعون ، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد فلما حضر علم بركوبه فركب واتبع أثره ، وأدركه المقيل في هذه المدينة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون ، ويلبس مثل ما يلبس ، وكان إنما يُدعى موسى بن فرعون ، ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف ، فدخلها نصف النهار ، وقد تغلقت أسواقها ، وليس في طرقها أحد ، وهي التي يقول الله : وَدَخَلَ المدَينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها .
وقال آخرون : بل دخلها مستخفيا من فرعون وقومه ، لأنه كان قد خالفهم في دينهم ، وعاب ما كانوا عليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لَمّا بلغ موسى أشده واستوى ، آتاه الله حكما وعلما ، فكانت له من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتمعون إليه ، فلما استد رأيه ، وعرف ما هو عليه من الحقّ ، رأى فراق فرعون وقومه على ما هم عليه حقا في دينه ، فتكلم وعادى وأنكر ، حتى ذكر منه ، وحتى أخافوه وخافهم ، حتى كان لا يدخل قرية فرعون إلا خائفا مستخفيا ، فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها .
وقال آخرون : بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بالعصا ، فلم يدخلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه . وقالوا : ومعنى الكلام : ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : عَلى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال : ليس غفلة من ساعة ، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره . وقال فرعون لامرأته : أخرجيه عني ، حين ضرب رأسه بالعصا ، هذا الذي قُتِلتْ فيه بنو إسرائيل ، فقالت : هو صغير ، وهو كذا ، هات جمرا ، فأتي بجمر ، فأخذ جمرة فطرحها في فيه فصارت عقدة في لسانه ، فكانت تلك العقدة التي قال الله وَاحُلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي قال : أخرجيه عني ، فأخرج ، فلم يدخل عليهم حتى كبر ، فدخل على حين غفلة من ذكره .
وأولى الأقوال في الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه : وَلمّا أشُدّهُ وَاسْتَوَى وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها .
واختلفوا في الوقت الذي عُنى بقوله : عَلى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها فقال بعضهم : ذلك نصف النهار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن محمد بن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قوله : وَدَخَلَ المَدينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال : نصف النهار . قال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قال : يقولون في القائلة ، قال : وبين المغرب والعشاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَدَخَل المَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال : دخلها بعد ما بلغ أشدّه عند القائلة نصف النهار .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : دخل نصف النهار .
وقوله : فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ يقول : هذا من أهل دين موسى من بني إسرائيل وَهَذَا مِنْ عَدُوهِ من القبط من قوم فرعون فاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يقول : فاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى على الذي من عدوّه من القبط فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ يقول : فلكزه ولهزه في صدره بجمع كفه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : أساء موسى من حيث أساء ، وهو شديد الغضب شديد القوّة ، فمرّ برجل من القبط قد تسخّر رجلاً من المسلمين ، قال : فلما رأى موسى استغاث به ، قال : يا موسى ، فقال موسى : خلّ سبيله ، فقال : قد هممت أن أحمله عليك فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضى عَلَيْهِ قال : حتى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الخبر قال : فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر في مثل حدّه قال : فقال : يا موسى ، قال : فاشتدّ غضب موسى ، قال : فأهوى ، قال : فخاف أن يكون إياه يريد ، قال : فقال : أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بالأَمْسِ ؟ قال : فقال الرجل : ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت ؟ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، قال : حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن جُبير فَوَجَدَ فِيها رَجُلَينِ يَقْتَتِلانِ قال : رجل من بني إسرائيل يقاتل جبارا لفرعون فاسْتَغاثَهُ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ فلما كان من الغد ، استصرخ به فوجده يقاتل آخر ، فأغاثه ، فقال أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كما قَتَلْتَ نَفْسا بالأمْسِ فعرفوا أنه موسى ، فخرج منها خائفا يترقب ، قال عثام : أو نحو هذا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْن يَقْتَتِلانِ ، هذَا مِنْ شِيعَتِهِ ، وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ أما الذي من شيعته فمن بني إسرائيل ، وأما الذي من عدوّه فقبطيّ من آل فرعون .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَوَجدَ فِيها رَجُلَينِ يَقْتَتِلان ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ يقول : من القبط فاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلى الّذي مِنْ عَدُوّهِ .
حدثنا العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم ابن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما بلغ موسى أشدّه ، وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كلّ الامتناع ، فبينا هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان : أحدهما من بني إسرائيل ، والاَخر من آل فرعون ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى واشتدّ غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل ، وحفظه لهم ، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قِبل الرضاعة من أمّ موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على علم ما لم يطلع عليه غيره ، فوكز موسى الفرعوني فقتله ، ولم يرهما أحد إلا الله والإسرائيلي ، فقَالَ موسى حين قتل الرجل هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطان . . . الآية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ مسلم ، وهذا من أهل دين فرعون كافر فاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق ، وشدّة في البطش فغضب بعدوّهما فنازعه فَوَكَزَهُ مُوسَى وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله ، فقال هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ قال : من قومه من بني إسرائيل ، وكان فرعون من فارس من إصطخر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه .
قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ إسرائيلي وَهَذا مِنْ عَدُوّهِ قبطي فاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ . وبنحوه الذي قلنا أيضا قالوا في معنى قوله : فَوَكَزَهُ مُوسَى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَوَكَزَهُ مُوسَى قال : بجمع كفه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَوَكَزَهُ مُوسَى نبيّ الله ، ولم يتعمد قتله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قتله وهو لا يريد قتله .
وقوله : فَقَضَى عَلَيْهِ يقول : ففرغ من قتله . وقد بيّنت فيما مضى أن معنى القضاء : الفراغ بما أغنى عن إعادته ههنا . ذكر أنه قتله ثم دفنه في الرمل ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ثم دفنه في الرمل .
وقوله : قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ يقول تعالى ذكره : قال موسى حين قتل القتيل : هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيّج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي ، إنّهُ عَدُوّ يقول : إن الشيطان عدوّ لابن آدم مُضِلّ له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الأعمال ، وتحسينه ذلك له مُبِينٌ يعني أنه يبين عداوته لهم قديما ، وإضلاله إياهم .
{ ودخل المدينة } ودخل مصر آتيا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين ، أو عين شمس من نواحيها . { على حين غفلة من أهلها } في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه ، قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين . { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه } أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفيه وهم القبط ، والإشارة على الحكاية . { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي } هو { من عدوه } فسأله أن يغيثه بالإعانة ولذلك عدي ب{ على } وقرئ " استعانه " . { فوكزه موسى } فضرب القبطي بجمع كفه ، وقرئ فلكزه أي فضرب به صدره . { فقضى عليه } فقتله وأصله فأنهى حياته من قوله { وقضينا إليه ذلك الأمر } { قال هذا من عمل الشيطان } لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم ، ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ ، وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم . { إنه عدو مضل مبين } ظاهر العداوة .
واختلف المتأولون في قوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } فقال السدي : كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون ، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة ، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة ، وقال ابن إسحاق بل { المدينة } مصر نفسها ، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس ، وقال ابن زيد : بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به ، وقيل كان يوم عيد ، وقوله تعالى : { يقتتلان } في موضع الحال أي مقتتلين ، و { شيعته } بنو إسرائيل ، و { عدوه } القبط ، وذكر الأخفش سعيد بن مسعدة{[9122]} أنها «فاستعانه » بالعين غير معجمة{[9123]} وبالنون وهي تصحيف لا قراءة{[9124]} ، وذكر الثعلبي أن الذي { من شيعته } هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون ، وقوله { هذا } { وهذا } حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب { هذا } عن غائب ماض ، «والوكز » الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين ، وقرأ ابن مسعود «فلكزه » والمعنى واحد ، إلا أن اللكز في اللحا ، والوكز على القلب ، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود «فنكزه » بالنون المعنى واحد ، «وقضى عليه » ، معناه قتله مجهزاً ، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده ، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه ، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله{[9125]} وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد .
طويت أخبار كثيرة تنبىء عنها القصة وذلك أن موسى يفع وشب في قصر فرعون فكان معدوداً من أهل بيت فرعون ، وقيل : كان يدعى موسى ابن فرعون .
وجملة { ودخل المدينة } عطف على جملة { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضيعه } [ القصص : 7 ] عطف جزء القصة على جزء آخر منها ، وقد علم موسى أنه من بني إسرائيل ، لعله بأن أمه كانت تتصل به في قصر فرعون وكانت تقص عليه نبأه كله . والمدينة هي ( منفيس ) قاعدة مصر الشمالية .
ويتعلق { على حين غفلة } ب { دخل } . و { على } للاستعلاء المجازي كما في قوله تعالى { على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] ، أي متمكناً من حين غفلة .
وحين الغفلة : هو الوقت الذي يغفل فيه أهل المدينة عما يجري فيها وهو وقت استراحة الناس وتفرقهم وخُلوّ الطريق منهم . قيل : كان ذلك في وقت القيلولة وكان موسى مجتازاً بالمدينة وحده ، قيل ليلحق بفرعون إذ كان فرعون قد مر بتلك المدينة . والمقصود من ذكر هذا الوقت الإشارة إلى أن قتله القبطي لم يشعر به أحد تمهيداً لقوله بعد { قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } [ القصص : 19 ] الآيات ومقدمة لذكر خروجه من أرض مصر .
والإشارتان في قوله { هذا من شيعته وهذا من عدوه } تفصيل لما أجمل في قوله { رجلين يقتتلان } .
واسم الإشارة في مثل هذا لا يراعى فيه بُعدٌ ولا قُرب ، فلذلك قد تكون الإشارتان متماثلتين كما هنا وكما في قوله تعالى { لا إلى هؤلاء } [ النساء : 143 ] . ويجوز اختلافهما كقول المتلمس :
ولا يقيم على ضيم يراد به *** إلا الأذلان غير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشج فلا يرثي له أحد
والشيعة : الجماعة المنتمية إلى أحد ، وتقدم آنفاً في قوله { وجعل أهلها شيعاً } [ القصص : 4 ] . والعدو : الجماعة التي يعاديها موسى ، أي يُبغضها . فالمراد بالذي من شيعته أنه رجل من بني إسرائيل ، وبالذي من عدوه رجل من القبط قوم فرعون . والعدو وصف يستوي فيه الواحد والجمع كما تقدم عند قوله تعالى { فإنهم عدو لي } في سورة [ الشعراء : 77 ] .
ومعنى كون { هذا من شيعته وهذا من عدوه } يجوز أن يكون المراد بهذين الوصفين أن موسى كان يعلم أنه من بني إسرائيل بإخبار قصة التقاطه من اليمّ وأن تكون أمه قد أفضت إليه بخبرها وخبره كما تقدم ، فنشأ موسى على عداوة القبط وعلى إضمار المحبة لبني إسرائيل .
وأما وكزه القبطي فلم يكن إلا انتصاراً للحق على جميع التقادير ، ولذلك لما تكررت الخصومة بين ذلك الإسرائيلي وبين قبطي آخر وأراد موسى أن يبطش بالقبطي لم يقل له القبطي : إن تريد إلا أن تنصر قومك وإنما قال { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } [ القصص : 19 ] .
قيل : كان القبطي من عملة مخبز فرعون فأراد أن يحمل حطباً إلى الفرن فدعا إسرائيلياً ليحمله فأبى فأراد أن يجبره على حمله وأن يضعه على ظهره فاختصما وتضاربا ضرباً شديداً وهو المعبر عنه بالتقاتل على طريق الاستعارة .
والاستغاثة : طلب الغوث وهو التخليص من شدة أو العون على دفع مشقة . وإنما يكون هذا الطلب بالنداء فذكر الاستغاثة يؤذن بأن الإسرائيلي كان مغلوباً وأن القبطي اشتد عليه وكان ظالماً إذ لا يجبر أحد على عمل يعمله .
والوكز : الضرب باليد بجمع أصابعها كصورة عقد ثلاثة وسبعين ، ويسمى الجمع بضم الجيم وسكون الميم .
و { فقضى عليه } جملة تقال بمعنى مات لا تغيّر . ففاعل ( قضى ) محذوف أبداً على معنى قضى عليه قاض وهو الموت . ويجوز أن يكون عائداً إلى الله تعالى المفهوم من المقام إذ لا يقضي بالموت غيره كقوله { فلما قضينا عليه الموت } [ سبأ : 14 ] . وقيل ضمير { فقضى } عائد إلى موسى وليس هذا بالبيّن . فالمعنى : فوكزه موسى فمات القبطي . وكان هذا قتل خطأ صادف الوكز مقاتل القبطي ولم يرد موسى قتله . ووقع في سفر الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني أن موسى لما رأى المصري يضرب العبراني التفت هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل .
وجملة { قال هذا من عمل الشيطان } مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً سأل : ماذا كان من أمر موسى حين فوجىء بموت القبطي . وحكاية ذلك للتنبيه على أن موسى لم يخطر بباله حينئذ إلا النظر في العاقبة الدينية . وقوله هو كلامه في نفسه .
والإشارة بهذا إلى الضربة الشديدة التي تسبب عليها الموت أو إلى الموت المشاهد من ضربته ، أو إلى الغضب الذي تسبب عليه موت القبطي . والمعنى : أن الشيطان أوقد غضبه حتى بالغ في شدة الوكز . وإنما قال موسى ذلك لأن قتل النفس مستقبح في الشرائع البشرية فإن حفظ النفس المعصومة من أصول الأديان كلها . وكان موسى يعلم دين آبائه لعله بما تلقّاه من أمه المرأة الصالحة في مدة رضاعه وفي مدة زيارته إياها .
وجملة { إنه عدو مضل مبين } تعليل لكون شدة غضبه من عمل الشيطان إذ لولا الخاطر الشيطاني لاقتصر على زجر القبطي أو كفه عن الذي من شيعته ، فلما كان الشيطان عدواً للإنسان وكانت له مسالك إلى النفوس استدل موسى بفعله المؤدي إلى قتل نفس أنه فعل ناشىء عن وسوسة الشيطان ولولاها لكان عمله جارياً على الأحوال المأذونة .
وفي هذا دليل على أن الأصل في النفس الإنسانية هو الخير وأنه الفطرة وأن الانحراف عنها يحتاج إلى سبب غير فطري وهو تخلل نزغ الشيطان في النفس .
ومتعلق { عدو } محذوف لدلالة المقام أي عدو لآدم وذرية آدم .
ورتب على الإخبار عنه بالعداوة وصفه بالإضلال لأن العدو يعمل لإلحاق الضر بعدوه و { مبين } وصف ل { مضل } لا خبر ثان ولا ثالث .