المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

17- فلا تعلم نفس مقدار ما أعده الله وأخفاه لهؤلاء من النعيم العظيم ، الذي تقر به عيونهم ، جزاء بما كانوا يكسبون من الطاعة والأعمال .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } قرأ حمزة ويعقوب : أخفي لهم ساكنة الياء ، أي : أنا أخفي لهم ، ومن حجته قراءة ابن مسعود تخفي بالنون . وقرأ الآخرون بفتحها . { من قرة أعين } مما تقر به أعينهم ، { جزاءً بما كانوا يعملون } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إسحاق بن نصر ، أنبأنا أبو أسامة عن الأعمش ، أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً بله ما اطلعتم عليه ثم قرأ : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } . قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له . وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

وقوله - سبحانه - : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ . . } بيان للعطاء الجزيل ، والثواب العظيم . أى : فلا تعلم نفس من النفوس سواء أكانت لملك مقرب ، أم لنبى مرسل ، ما أخفاه الله - تعالى - لهؤلاء المهتدين بالليل والناس نيام ، من ثواب تقر به أعينهم ، وتسعد به قلوبهم ، وتبتهج له نفوسهم . .

وهذا العطاء الجزيل إنما هو بسبب أعمالهم الصالحة فى الدنيا .

وهكذا نرى فى هذه الآيات الكريمة صورة مشرقة لعباد الله الصالحين ، وللثواب الذى لا تحيط به عبارة ، والذى أكرمهم الله - تعالى - به .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، عدداً من الأحاديث الواردة فى فضل قيام الليل ، منها ما رواه الإِمام أحمد " عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه - قال : كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر ، فأصبحت يوماً قريباً منه . ونحن نسير ، فقلت : يا نبى الله ، أخبرنى بعمل يدخلنى الجنة ، ويباعدنى من النار . فقال : " لقد سألت عن عظيم ، وأنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشكر به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل فى جوف الليل شعار الصالحين ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } " " .

وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادة بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم . ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .

وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله - تعالى - قال : " أعددت لعبادى الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلا تعلم نفس ذي نفسٍ ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هاتين الاَيتين ، مما تقرّ به أعينهم في جنانه يوم القيامة جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : إن في التوراة مكتوبا : لقد أعدّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وما لم يسمعه ملك مقرّب . قال : ونحن نقرؤها : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ .

حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عُبيدة بن ربيعة ، عن ابن مسعود ، قال : مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خبىء لهم ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال سفيان : فيما علمت على غير وجه الشكّ .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة ، قال : قال عبد الله ، قال ، يعني الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب ناظر فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِما كانُوا يَعْمَلونَ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن صلت ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة ، ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وإنه لفي القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُن .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن ابن أبجر ، قال : سمعت الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر : إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل عن أبخس أهل الجنة فيها حظا ، فقيل له : رجل يُؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة ، قال : فيقال له : ادخل ، فيقول : أين وقد أخذ الناس أَخَذاتهم ؟ فيقال : اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا ، فيكون لك مثل الذي كان لهم ، ولك أخرى شهوة نفسك ، فيقول : أشتهي كذا وكذا ، وأشتهي كذا ويقال : لك أخرى ، لك لذّة عينك ، فيقول : ألذّ كذا وكذا ، فيقال : لك عشرة أضعاف مثل ذلك ، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا ، فقال : ذاك شيء ختمت عليه يوم خلقت السموات والأرض . قال الشعبي : فإنه في القرآن : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْملونَ .

حدثني أحمد بن محمد الطّوسي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا ابن عُيينة وحدثني به القرقساني ، عن ابن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، وابن أبجر ، سمعنا الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ مُوسَى سألَ رَبّهُ : أيْ رَبّ ، أيّ أهْلِ الجَنّةِ أدْنَى مَنْزِلةً ؟ قال : رَجُلُ يَجيءُ بَعْدَ ما دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ ، فَيُقالُ لَهُ : ادْخُلْ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أدْخُلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنازِلَهُمْ ؟ فَيُقالُ لَهُ : أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ ما كانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيا ؟ ، فَيَقُولُ : بَخ أيْ رَبّ قَدْ رَضِيتُ فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلهُ ومِثْلَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أيْ رَبّ رَضِيتُ ، فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أمْثالِهِ مَعَهُ ، فيَقُول : رَضِيتُ أيْ رَبّ ، فَيُقالُ لَهُ : فإنّ لَكَ مَعَ هَذَا ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذّتْ عَيْنُكَ قالَ : فَقالَ مُوسَى : أيْ رَبّ ، وأيّ أهْل الجَنّةَ أرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : إيّاها أرَدْتُ ، وسأُحَدّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْها ، فَلا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ : وَمِصْدَاق ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قَيْس ، عن ابن أبي ليلَى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ وكان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال : ومن دونهما جنتان قال : وهي التي لا تعلم نفس ، أو قال : هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها ، أو ما فيهما يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ، بنحوه .

حدثنا سهل بن موسى الرازيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهَوْزنيّ أو غيره ، قال : الجنة مئة درجة ، أوّلها درجة فضة ، أرضها فضة ، ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المِسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عينٌ رأته ، ولا أذن سمعته ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الاَية فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالَ اللّهُ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ، قالَ اللّهُ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعْدَدْتُ لعِبادِي الصّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » قال أبو هريرة : ومن بله ما أطلعكم عليه ، اقرَءوا إن شئتم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ قال أبو هريرة : نقرؤها : «قُرّاتِ أعيُنٍ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : «يُؤْتَى بِحَسَناتِ العَبْدِ وَسَيّئاتِهِ ، فَيَنْقُصُ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ، فإنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَسّعَ اللّهُ لَهُ فِي الجَنّةِ » قال : فدخلت على يزداد ، فحدّث بمثل هذا قال : قلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحابِ الجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ، قلت : قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : العبد يعمل سرّا أسرّه إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسرّ الله له يوم القيامة قرّة عين .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، قال : «أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيهَا ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » ثم قرأ هذه الاَية : تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ . . . إلى قوله جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لعِبادِي الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه ، «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : أخفوا عملاً في الدنيا ، فأثابهم الله بأعمالهم .

حدثني القاسم بن بشر ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال حماد : أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ يَدْحُلِ الجَنّةَ يَنْعَمْ وَلا يَبْؤُسْ ، لا تَبْلَى ثِيابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبابُهُ ، في الجَنّةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين ، وبعض الكوفيين : أُخْفِيَ بضم الألف وفتح الياء بمعنى فُعِل . وقرأ بعض الكوفيين : «أُخْفِي لَهُمْ » بضم الألف وإرسال الياء ، بمعنى أفعل ، أخفي لهم أنا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، لأن الله إذا أخفاه فهو مخفى ، وإذا أخفى فليس له مخف غيره ، و «ما » في قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع تعلم عليها كيف قرأ القارىء أخفى ، وإذا وجهت إلى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفى بنصب الياء وضم الألف ، لأنه لم يسمّ فاعله ، وإذا قرىء أُخْفِي بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } لا ملك مقرب ولا نبي مرسل . { من قرة أعين } مما تقربه عيونهم . وعنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتهم عليه ، أقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " . وقرأ حمزة ويعقوب { أخفي لهم } على أنه مضارع أخفيت ، وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله ، وقرأت { أعين } لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و { ما } موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل . { جزاء بما كانوا يعملون } أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه . وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

عظم الله جزاءهم إذ قال : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } ، أي : لا تبلغ نفس من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : « أعددت لعبادي الصالحين ما لاَ عينٌ رأت ولا أذن سمعتْ ولا خَطر على قلب بشر » فدلّ على أن المراد ب { نفس } في هذه الآية أصحاب النفوس البشرية .

فإن مدركات العقول منتهية إلى ما تدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة ، وما تدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات ، وإلى ما تبلغ إليه المتخيلات من هيئات يركِّبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسمُوعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن ، ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ، ومثل الأشجار من زبرجد ، والأزهار من ياقوت ، وتراب من مسك وعنبر ، فكل ذلك قليل في جانب ما أعدّ لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم « ولا خطر على قلب بشر » وهذا كقولهم في تعظيم شيء : هذا لا يعلمه إلا الله . قال الشاعر :

فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا *** عشية آناء الديار وشامها

وعُبر عن تلك النعم ب { مَا أُخفِيَ } لأنها مغيبة لا تدرك إلا في عالم الخلود .

وقرة الأعين : كناية عن المسرة كما تقدم في قوله تعالى : { وقرِّي عيناً } في سورة مريم ( 26 ) .

وقرأ الجمهور { أُخفيَ } بفتح الياء بصيغة الماضي المبني للمجهول . وقرأ حمزة ويعقوب { أُخْفِي } بصيغة المضارع المفتتح بهمزة المتكلم والياء ساكنة ، و { جزاء } منصوب على الحال من { ما أخفي لهم } وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم أنه جزاء على هذه الأعمال الصالحات في حديث أغرّ رواه الترمذي عن معاذ بن جبل قال : « قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : لقد سألتَ عن عظيم وإنه ليسير على من يَسَّره الله عليه : تَعبُدُ الله لا تشركُ به شيئاً وتقيمُ الصلاة وتؤتي الزكاة وتصومُ رمضان وتحجُّ البيت » ثم قال : « ألا أدلك على أبواب الخير : الصومُ جُنة والصدقة تطفىء الخطايا كما يُطفىء الماء النارَ وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون . . . } » الحديث .