المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

35- قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين : هل من معبوداتكم التي جعلتموها شركاء لله مَن يستطيع التمييز بين الهدى والضلال ، فيرشد سواه إلى السبيل الحق ؟ فسيعجزون ! فهل القادر على الهداية إلى الحق أولى بالاتباع والعبادة ؟ أم الذي لا يستطيع أن يهتدي في نفسه ، وهو بالأولى لا يهدى غيره ، اللهم إلا إذا هداه غيره ؟ كرؤوس الكفر والأحبار والرهبان الذين اتخذتموهم أرباباً من دون الله . فما الذي جعلكم تنحرفون حتى أشركتم هؤلاء بالله ؟ وما هذه الحال العجيبة التي تجركم إلى تلك الأحكام الغريبة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

قوله تعالى : { قل هل من شركائكم من يهدي } ، يرشد ، { إلى الحق } ، فإذا قالوا : لا - ولا بد لهم من ذلك – { قل الله يهدي للحق } ، أي إلى الحق . { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي } ، قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء ، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون : بتشديد الدال ، ثم قرأ أبو جعفر ، وقالون : بسكون الهاء ، وأبو عمرو بروم الهاء بين الفتح والسكون ، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء ، وأبو بكر بكسرهما ، والباقون بفتحهما ، ومعناه : يهتدي- في جميعها - فمن خفف الدال ، قال : يقال : هديته فهدى ، أي : اهتدى ، ومن شدد الدال أدغم التاء في الدال ، ثم أبو عمرو يروم عل مذهبه في إيثار التخفيف ، ومن سكن الهاء تركها على حالتها كما فعل في تعدوا و يخصمون ، ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء ، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، قوال الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن كسر الياء ، مع الهاء أتبع الكسرة الكسرة .

قوله تعالى : { إلا أن يهدى } ، معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى ؟ . فإن قيل : كيف قال : { إلا أن يهدى } ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من كانت إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام . وجواب آخر وهو : أن ذكر الهداية على وجه المجاز ، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل .

{ فما لكم كيف تحكمون } ، كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

وقوله : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقّ } . حجة أخرى تدمغ جهلهم ، جيء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإِضلال ، عقب إقامة الأدلة على قدرته - سبحانه - على بدء الخلق وإعادتهم .

أى : قل لهم يا محمد - أيضا - على سبيل التهم من أفكارهم : هل من شركائكم من يستطيع أن يهدي غيره إلى الدين الحق ، فينزل كتاباً ، أو يرسل رسولا ، أو يشرع شريعة ، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون .

أو يحث العقول على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض . . . ؟

قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يعفل كل ذلك ، أما شركاؤكم فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك أو من غيره .

وقوله : { أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي . . . } توبيخ آخرلهم على جهالاتهم وغفلتهم عن إدراك الأمور الواضحة .

أى : قل لهم يا محمد : أفمن يهدي غيره إلى الحق وهو الله - تعالى - . أحق أن يتبع فيما يأمر به وينهى عنه ، أم من لا يستطيع أت يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره أحق بالاتباع ؟ لا شك أن الذي يهدي غيره إلى الحق أحق بالاتباع من الذي هو في حاجة إلى أن يهديه غيره .

وقوله : { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } استفهام قصد به التعجيب من أحوالهم التي تدعو إلى الدهشة والغرابة .

أى : ما الذي وقع لكم ، وما الذي أصابكم في عقولكم حتى صرتم تشركون في العبادة مع الله الخالق الهادي ، مخلوقات لا تهدي بنفسها وإنما هي في حاجة إلى من يخلقها ويهديها .

قال الإِمام الرازي : " واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولا ثم بالهداية ثانيا ، عادة مطردة في القرآن ، فقد حكى - سبحانه - عن إبراهيم أنه ذكر ذلك فقال : { الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } وعن موسى أنه قال : { رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } وأمر محمدا - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى . الذي خَلَقَ فسوى . والذي قَدَّرَ فهدى } وهو في الحقيقة دليل شريف ، لأن الإِنسان له جسد وله روح ، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق ، والاستدلال بأحوال الروح هوالهداية ، فها هنا أيضا لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى وهو قوله : { مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية .

وقوله : { أَمَّن لاَّ يهدي } ورد فيه ست قراءات ، منها قراءة يعقوب وحفص بكسر الهاء وتشديد الدال ، ومنها قراءة حمزة والكسائيل بالتخفيف كيرمي ، ومنها قراءة ابن كثير وابن عامر وورش عن نافع " يهدي " فتح الياء والهاء وتشديد الدال . .

والاستثناء في قوله : { أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى } مفرغ من أعم الأحوال .

والتقدير : أفمن يهدي إلى الحق أحق بالاتباع ، أم من لا يستطعي الهداية إلا أن يهديه إليها غيره أحق بالاتباع ؟

وجاء قوله - سبحانه - { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } باستفهامين متواليين ، زيادة في توبيخهم وتقريعهم ، ولفت أنظارهم إلى الحق الواضح الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم .