قوله تعالى : { إن تبدوا الصدقات } . أي تظهروها .
قوله تعالى : { فنعما هي } . أي : نعمت الخصلة هي و " ما " في محل الرفع و " هي " في محل النصب ، كما تقول : نعم الرجل رجلاً ، فإذا عرفت رفعت ، فقلت : نعم الرجل زيد ، وأصله : نعم ما وصلت ، قرأ أ هل المدينة غير ورش وأبو عمرو وأبو بكر : " فنعما " بكسر النون وسكون العين ، وقرأ ابن عامر و حمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين ، وقرأ ابن كثير ونافع برواية ورش يعقوب وحفص بكسرهما ، وكلها لغات صحيحة وكذلك في سورة النساء .
قوله تعالى : { وإن تخفوها } . تسروها .
قوله تعالى : { وتؤتوها الفقراء } . أي تؤتوها الفقراء في السر .
قوله تعالى : { فهو خير لكم } . وأفضل ، وكل مقبول إذا كانت النية صادقة ، ولكن صدقة السر أفضل ، وفي الحديث : صدقة السر تطفئ غضب الرب .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، اخبرنا أبو مصعب عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وافترقا عليه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " .
وقيل : الآية في صدقه التطوع ، أما الزكاة المفروضة فالإظهار فيها أفضل حتى يقتدي به الناس ، كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل ، والنافلة في البيت أفضل ، وقيل :الآية في الزكاة المفروضة كان الإخفاء فيها خيراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في زماننا فالإظهار أفضل حتى لا يساء به الظن .
قوله تعالى : { نكفر عنكم سيئاتكم } . قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالنون ورفع الراء ، أي ونحن نكفر ، وقرأ أبن عامر وحفص بالياء ورفع الراء ، أي ويكفر الله ، وقرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بالنون والجزم نسقاً على الفاء التي في قوله : ( فهو خير لكم ) لأن موضعها جزم بالجزاء ، وقوله ( من سيئاتكم ) ، قيل " من " صلة ، تقديره نكفر عنكم سيئاتكم ، وقيل : هو للتحقيق والتبعيض ، يعني : الصغائر من الذنوب .
ثم بين - سبحانه - أن الصدقة متى صدرت عن المسلم بالطريقة التي دعت إليها تعاليم الإِسلام فإنها تكون مرجوة القبول عند الله - تعالى - سواء أفعلها المسلم في السر أم في العلن ، فقال - تعالى - : { إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
الصدقات : جمع صدقة وهي ما يخرجه المسلم من ماله على جهة القربة ، وتشمل الفرض والتطوع ، وهي مأخوذة من الصدق بمعنى صدق النية وتخليصها من كل ما نهى الله عنه ، وسمى - سبحانه - ما يخرجه المسلم من ماله صدقة لأن المال بها يزكو وينمو ويطهر .
والفاء في قوله : { فَنِعِمَّا هِيَ } واقعة في جواب الشرط ، و ( نعماً ) أصلها نعم ما ، فأدغمت إحدى الميمين في الأخرى ، ونعم فعل ماض ، وما نكرة تامة بمعنى شيء ، وهي منصوبة على أنها تمييز ، والفاعل ضمير مستتر في نعم .
والمعنى : إن تبدوا صدقاتكم - أيها المؤمنون - وتظهروها فنعم شيئاً إبداؤها وإعلانها ، لأنه يرفع التهمة ويدعو أهل الخير إلى الاقتداء بهذا الفعل الحسن .
وجاء التعبير بمدح المعلنين صدقتهم بقوله " فنعما هي " للإِشارة إلى أن المسلم متى دفع صدقته لمستحقيها بنية خالصة ، فإنه يكون ممدوحاً من الله - تعالى - وممدوحاً من الناس الذين شاهدوا عمله الصالح .
هذه صدقة الجهر إذا خلصت من الرياء أما صدقة السر فقد أثنى الله على فاعلها بقوله : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : وإن تخفوا الصدقات وتعطوها للفقراء سراً ، دون أن يراكم أحد من الناس ، فعملكم هذا خير لكم عند الله لأنكم بإخفائكم للصدقة ودفعها للفقير سراً تكونون قد ابتعدتم عن الرياء ، وسترتم حال هذا الفقير المحتاج .
وقوله : { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } أي أنه - سبحانه - يستر السيئات التي يرتكبها الشخص ، ويخفيها ولا يظهرها عند إثابته إياه على فعله الحسن لأن ما عفهل من حسنات مسح ما فعله من سيئات فهو كقوله - تعالى - : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } و { مِّن } في قوله : { مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } بيانية بمعنى أن الصدقات تكفر السيئات لأن المسلم إذا بذل ماله في سبيل الله بصدق وإخلاص ، كان أهلا لمثوبة الله ومغفرته ، ويجوز أن تكون للتبغيض أي يكفر عنكم بعض سيئاتكم بمقدار ما قدمتم من صدقات لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي أن الله - تعالى - عليم علماً دقيقاً بكل ما تعملونه أيها المؤمنون ، فعليكم أن تخلصوا له أعمالكم ، وأن تراقبوه في سركم وجهركم ، وأن تسارعوا في عمل الخيرات التي ترفع درجاتكم عند خالقكم .
وبذل كنرى أن الآية الكريمة قد مدحت صدقتي الجهر والسر متى كان المتصدق متبعاً آداب الإِسلام وتوجيهاته ، ومبتعداً عن كل ما يبطل الصدقات ، ويحبط الأعمال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.