السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (271)

{ إن تبدوا } أي : تظهروا { الصدقات } أي : النوافل { فنعما هي } أي : فنعم شيئاً إبداؤها ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون ، والباقون بكسرها ، وقرأ قالون وأبو عمرو باختلاس كسرة العين ، والباقون بالكسرة الكاملة .

{ وإن تخفوها } أي : تسروها { وتؤتوها الفقراء } أي : تعطوها لهم في السر { فهو خير لكم } أي : أفضل من إبدائها وإيتاؤها للفقراء أفضل من إيتائها للأغنياء . سئل صلى الله عليه وسلم هل صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية ؟ فنزلت هذه الآية ، وفي الحديث : ( صدقة السر تطفئ غضب الرب ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله تعالى فاجتمعا على ذلك وتفرّقا ، ورجل ذكر الله تعالى خالياً ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله تعالى ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) نعم إن كان ممن يقتدى به فالإظهار في حقه أفضل ، أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ، كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت أفضل وليقتدى به ، لئلا يتهم ولا يجوز دفع شيء منها للأغنياء . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ( صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً ) .

تنبيه : الصدقة تطلق على الفرض والنفل قال تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } ( هود ، 103 ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( نفقة المرء على عياله صدقة ) والزكاة لا تطلق إلا على الفرض { ونكفّر عنكم من سيآتكم } أي : بعضها وقيل : من صلة ، وقرأ ابن عامر وحفص بالياء التحتية ، والباقون بالنون . وقرأ نافع وحمزة والكسائي بجزم الراء بالعطف على محل فهو ، والباقون بالرفع على الاستئناف .

وقوله تعالى : { والله بما تعملون خبير } فيه ترغيب في الإسرار لأنه عالم بباطن الشيء كظاهره ولا يخفى عليه شيء منه .