فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (271)

( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) في هذا نوع تفصيل لما أجمل في الشرطية المتقدمة ، ولذا ترك العطف بينهما أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها ، وإن تخفوها وتصيبوا بها مصارفها من الفقراء فالاخفاء خير لكم .

وقد ذهب جمهور من المفسرين الى ان هذه الآية في صدقة التطوع لا في صدقة الفرض فلا فضيلة للاخفاء فيها ، بل قد قيل إن الاظهار فيها أفضل وقالت طائفة : إن الاخفاء في الفرض والتطوع{[282]} .

عن ابن عباس قال : جعل السر في التطوع يفضل علانيتها سبعين ضعفا ، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا ، وكذا جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها{[283]} .

وعنه في الآيات قال : كان هذا يعمل قبل أن تنزل براءة فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها ، وعنه قال : هذا منسوخ ، وقوله ( في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) قال : منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في سورة التوبة ( إنما الصدقات للفقراء ) وقد ورد في فضل صدقة السر احاديث صحيحة مرفوعة .

( ونكفر عنكم من سيآتكم ) من للتبعيض أي شيئا من سيآتكم لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئآت كذا قدره أبو البقاء ، وحكى الطبري عن فرقة أنها زائدة ، وذلك على رأي الأخفش ، قال ابن عطية : وذلك منهم خطأ وقيل إنها للسببية أي من أجل ذنوبكم وهذا ضعيف ، والسيئآت جمع سيئة ووزنها فيعلة وعينها واو ، قال ابن عباس : جميع سيئاتكم ( والله بما تعملون خبير ) يعني من إظهار الصدقات وإخفائها ، وفيه ترغيب في الإسرار .


[282]:وروى النسائي عن عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ان الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة". وفي الحديث:" صدقة السر تطفئ غضب الرب".
[283]:روى الامام احمد، والترمذي، والنسائي، من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة" وإسناده صحيح. وفي"الصحيحين" عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: امام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمسجد اذا خرج منه حتى يرجع اليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني اخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه".