{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات ، تشجيعا لهم على الثبات مع مخالفتهم . و{ أم } منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار { ولما يأتكم } ولم يأتكم ، وأصل { لما } لم زيدت عليها ما وفيها توقع ولذلك جعلت مقابل قد . { مثل الذين خلوا من قبلكم } حالهم التي هي مثل في الشدة . { مستهم البأساء والضراء } بيان له على الاستئناف . { وزلزلوا } وأزعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد . { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه } لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر . وقرأ نافع يقول بالرفع على أنه حكاية حال ماضية كقولك مرض حتى لا يرجونه . { متى نصر الله } استبطاء له لتأخره . { ألا إن نصر الله قريب } استئناف على إرادة القول أي فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر ، وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ، ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه الصلاة والسلام " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( 214 )
وقوله تعالى : { أم حسبتم } الآية ، { أم } قد تجيء لابتداء كلام بعد كلام وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة ألف استفهام ، وحكى بعض اللغويين أنها قد تجىء بمثابة ألف الاستفهام( {[1996]} ) يبتدأ بها ، و { حسبتم } تطلب مفعولين ، فقال النحاة { أن تدخلوا } تسد مسد المفعولين لأن الجملة التي بعد { أن } مستوفاة المعنى ، ويصح أن يكون المفعول الثاني محذوفاً ، تقديره أحسبتم دخولكم الجنة واقعاً ، و { لما } ، ولا يظهر أن يتقدر المفعول الثاني في قوله { ولمّا يأتكم } بتقدير أحسبتم دخولكم الجنة خلواً من أن يصيبكم ما أصاب من قبلكم ، لأن { خلوا } حال ، والحال هنا إنما تأتي بعد توفية المفعولين ، والمفعولان هما الابتداء والخبر قبل دخول حسب ، و { البأساء } : في المال ، و { الضراء } : في البدن : و { خلوا } معناه انقرضوا ، أي صاروا في خلاء من الأرض .
وهذه الآية نزلت في قصة الأحزاب حين حصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة ، هذا قول قتادة والسدي وأكثر المفسرين .
وقالت فرقة : نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم وفتنوا هم قبل ذلك ، و { مثل } معناه شبه ، فالتقدير شبه آتى الذين { خلوا }( {[1997]} ) ، والزلزلة شدة التحريك ، تكون في الأشخاص وفي الأحوال ، ومذهب سيبويه أن «زلزل » رباعي ك «دحرج » .
وقال الزجّاج : «هو تضعيف في زل » فيجيء التضعيف على هذا في الفاء ، وقرأ الأعمش «وزلزلوا ويقول الرسول » بالواو بدل حتى ، وفي مصحف ابن مسعود «وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول الرسول » ، وقرا نافع «يقولُ » بالرفع ، وقرأ الباقون «يقولَ » بالنصب ، ف { حتى } غاية مجردة تنصب الفعل بتقدير إلى أن ، وعلى قراءة نافع كأنها اقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل( {[1998]} ) ، وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين ، ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب( {[1999]} ) ، و { الرسول } اسم الجنس( {[2000]} ) ، وذكره الله تعظيماً للنازلة التي دعت الرسول إلى هذا القول ، وقالت طائفة : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول { ألا إن نصر الله قريب } ، فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان .
قال القاضي أبو محمد : وهذا تحكم ، وحمل الكلام على وجهه غير متعذر( {[2001]} ) ، ويحتمل أن يكون { ألا إن نصر الله قريب } إخباراً من الله تعالى مؤتنفاً بعد تمام ذكر القول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.