فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ} (214)

{ خلوا } مضوا . { البأساء } البلايا في الأموال .

{ الضراء } المصائب في الأبدان . { زلزلوا } خوفوا .

{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } أظننتم أن تدركوا نعيم الآخرة وثوابها دون أن تختبروا كما اختبر الذين من قبلكم من أتباع الأنبياء ؟ كلا فإن سنة الله تعالى في السابقين والتي لا تتحول إلى يوم الدين أن يبتلى من ينتسب إلى الإيمان ليميز الخبيث من الطيب وهذا كقول المولى تقدست أسماؤه وتباركت آلاؤه { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }{[665]} ، وقوله جل ثناؤه { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين }{[666]} ، وكما في الآية الكريمة { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم }{[667]} ، يقول اللغويون : { أم } هنا منقطعة بمعنى بل و{ حسبتم } تطلب مفعولين فأن وما دخلت عليه في{ أن تدخلوا } في تأويل مصدر سد مسد المفعولين وقيل المفعول الثاني محذوف والتقدير أحسبتم دخولكم الجنة واقعا و{ لما } بمعنى لم أي ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا ؛ { مستهم البأساء } المصائب في الأموال { والضراء } البلايا في الأبدان { وزلزلوا } خوفوا من الأعداء ، روى البخاري عن خباب بن الأرث قال : قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا قال : ( إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع الميشار -وفي رواية المنشار- على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه فلا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ) ثم قال : ( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون ) . { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه }- أي انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يقول الرسول وهم أعلم الناس بما يليق به تعالى وما تقتضيه حكمته والمؤمنون المقتدون بآثاره المهتدون بأنواره { متى } يأتي { نصر الله } طلبا وتمنيا له ، واستطالة لمدة الشدة -لا شكا ولا ارتيابا- . . . { ألا إن نصر الله قريب } . . . أي فقيل لهم حينئذ تطييبا لأنفسهم بإسعافهم بمرامهم . . وليس التزلزل والانزعاج أعظم من الخوف وقد عرى الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وأخرجه الحاكم وصححه عن أبي مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله تعالى من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن )- {[668]} .


[665]:من سورة العنكبوت الآيتان 2-3.
[666]:من سورة العنكبوت الآية 10.
[667]:من سورة القتال أو "محمد" عليه السلام الآية 31..
[668]:ما بين العارضتين من روح المعاني.