الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ} (214)

{ أَمْ حَسِبْتُمْ } وهو ابتداء بأم من غير استفهام ، فالألف والميم صلة معناه : أحسبتم ، قاله الفرّاء .

وقال الزّجاج : معناه : بل حسبتم ، كقول الشاعر :

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى *** وصورتها أم أنت في العين أملح

أي بل وأنت ، وكل شيء في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وتأويله ، ومعنى الآية أظننتم والرسول أن تدخلوا الجنة . { وَلَمَّا يَأْتِكُم } يعني ولم يأتكم وحاصله كقوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } [ الجمعة : 3 ] وقال النابغة :

أزف الترحّل غير أنّ ركابنا *** لمّا تزل برحالنا وكأَنْ قَدِ

أي لم تزل { مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } مَضَوا ( مِن قَبْلِكُم ) من النبيين والمؤمنين [ وسُنّتهم ] .

ثم ذكر ما أصابهم فقال : { مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ } يعني الفقر والضرّ والشدّة والبلاء { وَالضَّرَّآءُ } المرض والزمانة { وَزُلْزِلُواْ } حُرّكوا بأنواع البلايا والرزايا وخُوِّفوا { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ } ما تلك البلايا حتى استبطأوا الرزق ، قال الله : { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } واختلف القرّاء في قوله تعالى : { يَقُولَ الرَّسُولُ } فقرأ مجاهد بفتح وضمّة .

الأعرج : يقول رفعاً ، وقرأها الآخرون نصباً ، فمن نصب فعلى ظاهر الكلام لأن حتى تنصب الفعل المستقبل ، ومَنْ رفع لأنّ معناه حتى قال الرسول ، وإذا كان الفعل الذي يلي حتى في معنى الماضي ولفظه لفظ المستقبل ، فلك فيه دون الرفع والنصب ، فالرفع لأنّ حتى لا بعمل الماضي ، والنصب بإضمار أنّ الخفيفة عند البصريين ، وبالصرف عند الكوفيين ، [ مثل قولك : ] سرنا حتى ندخل مكة بالرفع أي حتى دخلناها ، فاذا كان بمعنى المستقبل فالنصب لا غير .

وقال وهب بن منبه : يوجد فيما بين مكة والطائف سبعون [ نبيًّا ] ميتين كان سبب موتهم الجوع والعمل ، وقال وهب أيضاً : قرأت في كتاب رجل [ من الحواريينٍ ] إذا سُلك بك سبيل البلاء فقرَّ عيناً ، فإنه سُلك بك سبيل الأنبياء والصالحين . وإذا سُلك بك سبيل الرخاء فابكِ على نفسك ( لأنّه حاد ) بك عن سبيلهم . [ شعبة عن عاصم بن بهدلة ] عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم " أيّ الناس أشدّ بلاء فقال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل من الناس ، فيبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان صلب الدين اشتدّ بلاؤه ، وإن كان في دينه رقّة فهي على حسب ذلك ، ولا يبرح البلاء عن العبد حتى يدعه يمشي على الأرض وليس عليه خطيّة " .

وعن عبد الرحمن بن ذهل قال : كان وزير عيسى عليه الصلاة والسلام ركب يوماً فأخذه السبع فأكله فقال عيسى : يا ربّ وزيري في دينك ، وعوني على بني إسرائيل ، وخليفتي من سلّطت عليه كلبك فأكله ، قال : نعم كانت له عندي منزلة رفيعة ، لم أجد عمله بلغها فأبتليته بذلك لأبلغه تلك المنزلة .