الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ} (214)

قوله : ( اَمْ حَسِبْتُمُ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ) الآية [ 212 ] .

" أم " ( {[6899]} ) للخروج( {[6900]} ) من حديث إلى حديث( {[6901]} ) .

وقال الطبري : " أم " للاستفهام ، ومعنى اللام " أحسبتم " . قال : وإنما تكون " أم " للاستفهام( {[6902]} ) إذا( {[6903]} ) تقدمها كلام ، فإن لم يتقدمها كلام لم تقع كذلك " ( {[6904]} ) .

قوله : ( حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ ) [ 212 ] .

النصب( {[6905]} ) فيه على الغاية كأنك قلت : " وزلزلوا إلى أن يقول الرسول " . فيكون الفعلان قد مضيا . ويجوز النصب في غير القرآن على أن الثاني من أجله وقع الأول ، كأنك قلت : " كي يقول " ( {[6906]} ) ، فالأول حدث كي يكون الثاني ، ولا يحسن هذا في الآية( {[6907]} ) .

والرفع في الآية على أن يكون ما بعدها جملة لا تعمل " حتى " فيه ، أي " وزلزلوا ، فقال الرسول " ، ويكون الفعلان أيضاً مضيا( {[6908]} ) أي حتى هذه حال( {[6909]} ) الرسول( {[6910]} ) ، ويجوز الرفع في الكلام على أن يكون الألف قد مضى ، والثاني في الحال ؛ تقول : " سرت حتى أدخلها " أي حتى أنا الآن أدخلها ، فالسير مضى( {[6911]} ) ، والدخول( {[6912]} ) الآن ، ولا يجوز هذا في الآية( {[6913]} ) .

وقال أبو عمرو( {[6914]} ) : " لما اختلف الفعلان في الآية ، كان الوجه في الثاني النصب " .

قوله : ( أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )( {[6915]} ) [ 212 ] .

يجوز في " قريب " النصب على أنه نعت لظرف( {[6916]} ) محذوف . ولا يثنى( {[6917]} ) قريب ولا يجمع ولا يؤنث إلا أن يكون للنسب والقرابة ، فيجوز ذلك فيه( {[6918]} ) .

ومعنى الآية : أحسبتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة( {[6919]} ) ولم يصبكم مثل( {[6920]} ) ما أصاب من كان قبلكم من اتباع الأنبياء من الشدائد والخوف حتى قال الرسول والذين معه( {[6921]} ) : ( مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ) ، كأنهم استبطأوا النصر فأخبرهم( {[6922]} ) الله( {[6923]} ) تعالى أن/نصر الله قريب( {[6924]} ) .

وقيل : إن في الآية تقديماً وتأخيراً وحذفاً للاختصار والتقدير : وزلزلوا حتى يقولوا ؟ ( مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ) ، ويقول لهم/الرسول : ( أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) استبطأوا النصر وزاد عليهم الخوف ، فقالوا : متى نصر الله ؟ فقال لهم الرسول : ( أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )( {[6925]} ) .

فقوله : ( أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) من قول الرسول ، وقوله : ( مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ) من قول المؤمنين من أمة الرسول .

وهذه الآية في قول السدي وقتادة نزلت يوم الخندق حين اشتد على المؤمنين أمر الأحزاب وآذاهم البرد( {[6926]} ) وضيق العيش ، وفيه نزل( {[6927]} ) : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمُ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ ) إلى ( قَدِيراً )( {[6928]} ) [ الأحزاب : 9-27 ]( {[6929]} ) .

قال السدي : [ اشتد على/المؤمنين الأمر ]( {[6930]} ) حتى قال قائلهم : ( مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً )( {[6931]} )( {[6932]} ) . يريد قاله بعض المنافقين .

( وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ )( {[6933]} ) . أي شك . قالوا( {[6934]} ) ذلك أيضاً/كذلك حكى الله عنهم في سورة الأحزاب . وقيل( {[6935]} ) : " إنها نزلت في المهاجرين إذ تركوا أموالهم ودورهم( {[6936]} ) بمكة ، فحكم فيها المشركون ، فضاقت بهم( {[6937]} ) الحال في المدينة فَآخَى النبي [ عليه السلام ]( {[6938]} ) بينهم وبين الأنصار فَوَاسَوْهُمْ فنزلت الآية تعزية لهم وتصبيراً( {[6939]} ) .

وذكر وهب بن( {[6940]} ) منبه : " أن سبعين نبياً دفنوا في مسجد الخيف( {[6941]} ) ، كلهم ماتوا من الجوع والقمل " ( {[6942]} ) .

وقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[6943]} ) : سأل نبي من الأنبياء سعة الرزق فأوحى الله إليه : ( أَمَا يَكْفِيكَ أَنِّي عَصَمْتُكَ مِنَ الكُفْرِ ) .

فلو رضيَ اللَّهُ الدنيا لأحد من أوليائه ما نال منها الكافر جرعة ماء ، ولكن الله لم يجعلها ثواباً لمؤمن( {[6944]} ) ولا عقاباً لكافر .

قوله : ( البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) [ 212 ] الفقر والمرض( {[6945]} ) .

وقيل : القتل والفقر .

وقال القتبي( {[6946]} ) : " البأساء : الشدة ، والضراء : البلاء " ( {[6947]} ) .

ومعنى ( وَزُلْزِلُوا ) خوفوا( {[6948]} ) وحركوا( {[6949]} ) .

وأصله من " زال الشيء من مكانه " . ومعنى " زلزلته " ( {[6950]} ) كررت( {[6951]} ) زلزلته( {[6952]} ) .


[6899]:- في ع3: أي أم.
[6900]:- في ع2: هي لخروج، وفي ق: لخروج.
[6901]:- سقط قوله: "إلى حديث" من ق.
[6902]:- قوله: "ومعنى الكلام...للاستفهام" ساقط من ع3.
[6903]:- في ع3: إذ.
[6904]:- انظر: جامع البيان 4/287-288. وهو أيضاً اختيار الفراء وابن الأنباري. انظر: معاني الفراء 1/122، والبيان 1/149.
[6905]:- وينصب "يقول" قرأ السبعة إلا نافعاً فقد قرأها بالرفع. انظر: كتاب السبعة 181-182، والكشف 1/289، والتبصرة 160، وكتاب العنوان 73، والحجة 131، والنشر 2/227، وتحبير التيسير 91.
[6906]:- في ع2، ع3: تقول. وهو خطأ.
[6907]:- انظر: هذا التوجيه في إعراب القرآن 1/255، ومشكل الإعراب 1/127، والكشف 1/290، والحجة 131.
[6908]:- في ع3: ماضياً. وهو خطأ.
[6909]:- سقط من ع3.
[6910]:- وهو نفس ما ورد في إعراب القرآن 1/256، ومشكل الإعراب 1/126، والمصدرين السابقين.
[6911]:- في ق: مضى. والثاني.
[6912]:- سقط حرف الواو من ع2.
[6913]:- انظر: الكتاب 3/25-26، والمقتضب 2/42-43، والمصادر السابقة.
[6914]:- في ع2، ع3: عمر، وهو تحريف.
[6915]:- في ع3: قريباً. وهو خطأ.
[6916]:- في ق: الطرف، وهو تصحيف.
[6917]:- في ع2: شيء. وفي ع3: ثنى.
[6918]:- انظر: هذا التوجيه في: إعراب القرآن 1/256، ومشكل الإعراب 1/127.
[6919]:- سقط من ع3.
[6920]:- سقط من ع3.
[6921]:- في ق: آمنوا معه.
[6922]:- في ع2: فأخبر.
[6923]:- سقط لفظ الجلالة "الله" من ع2، ق.
[6924]:- انظر: معنى الآية في جامع البيان 4/288.
[6925]:- انظر: تفسير القرطبي 3/35-36.
[6926]:- في ع2: البر، وهو تحريف.
[6927]:- في ع3: نزلت.
[6928]:- في ع2، ع3: قدير. وهو خطأ.
[6929]:- انظر: أسباب النزول 60، ولباب النقول 41.
[6930]:- في ع2: شد على المؤمنين أمر الأحزاب وأذاهم البرد.
[6931]:- الأحزاب آية 12.
[6932]:- في ع2: غرور. وانظر قول السدي في جامع البيان 4/289، والمحرر الوجيز 2/155.
[6933]:- الأنفال آية 49.
[6934]:- في ع2: أي قولوا. وفي ع3: أي قالوا.
[6935]:- انظر: تفسير القرطبي 3/34. وهو قول عطاء في أسباب النزول 60.
[6936]:- في ع3: ديورهم.
[6937]:- في ع3: به.
[6938]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6939]:- في ع3: تصبراً.
[6940]:- في ع1، ق، ع3: ابن.
[6941]:- في ق: الحيف، وهو تصحيف.
[6942]:- انظر: تفسير القرطبي 3/34.
[6943]:- في ع2: عليه السلام.
[6944]:- سقط من ق.
[6945]:- انظر: هذا التفسير في تفسير ابن مسعود 2/109، وإصلاح الوجوه والنظائر 62.
[6946]:- في ق: القتني. وهو تحريف.
[6947]:- انظر تفسير الغريب 81.
[6948]:- في ع2: خوفاً.
[6949]:- انظر: هذا التفسير في تفسير ابن مسعود 2/109، ومجاز القرآن 1/72، وتفسير الغريب 81، ومفردات الراغب 219.
[6950]:- في ع3: زلزلت.
[6951]:- في ع2: كرت.
[6952]:- انظر: مفردات الراغب 219.