{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب( 214 ) }
أم : تأتي بمعنى بل وهمزة الاستفهام ، ويرى أبو عبيدة أنها للاستفهام وحده .
البأساء : الفقر أو الحرب أو الشدة .
الضراء : المرض أو الضيق أو الضرر مطلقا .
زلزلوا : الزلزلة : الحركة الشديدة ، والمراد هنا : إصابتهم بالاضطراب النفسي الذي يهز النفس هزا عنيفا ويزعجها .
فهل حسبتم أن تدخلوا الجنة بمجرد إقراركم بكلمة الإسلام ، بدون أن تصابوا بمثل ما أصاب الذين كم قبلكم ، فقد أصابتهم الشدائد والنوازل وزلزلوا حتى بلغ بهم الأمر أن قال رسولهم نفسه ، وقالوا معه : متى نصر الله ؟ فيبر ربهم بوعده ، فيجابون عندئذ : بأن نصر الله قريب .
{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم . . . }
سبب النزول : قال قتادة والسدى وأكثر المفسرين : هذه الآية في غزوة الخندق إذا اجتمع المشركون مع أهل الكتاب ، وتحالفوا على الإيقاع بالمسلمين وقطع دابرهم ، وأصاب المؤمنين يومئذ ما أصابهم من الجهد والشدة والجوع والحاجة وضروب الإيذاء .
وقيل إن الآية نزلت في غزوة أحد ، حين غلب المشركون المؤمنين ، وشجوا رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكسروا رباعيته( 154 ) .
وما ذكره المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة لا يمنع عمومها . وإنها تدعوا المؤمنين في كل وزمان ومكان إلى التذرع بالصبر والثبات تأسيا بمن سبقهم من المتقين ، حتى يفوز برضوان الله تعالى ونصره .
حث القرآن الكريم على الصبر في أكثر من سبعين موضعا ، وبين أن الله خلق الإنسان للاختبار والابتلاء والامتحان ، فمن صبر وثبت نجح في الاختبار ، ومن هلع وسخط رسب في الاختبار .
ومن الآيات التي تؤيد هذا المعنى في القرآن الكريم قوله سبحانه : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } . ( آل عمران : 142 ) ، وهذه نزلت في غزوة أحد لا محالة .
وقال تعالى : { آلم*أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون*ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } . ( العنكبوت : 1-3 ) .
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا تعب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ، ولا يزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة( 155 ) .
معنى الجملة : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم }
بل أظننتم أنكم بمجرد إيمانكم تدخلون الجنة دون أن تتعرضوا للمشقة والابتلاء ، كما تعرض المؤمنون الأتقياء من الأمم السابقة .
{ مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر . . . }
أي أصابتهم الشدائد والأهوال ، وتعرضوا لفظائع الحروب الظاهرة والخفية ، واهتز كيانهم اهتزازا عنيفا ، حتى كاد اليأس يسيطر على نفوسهم ، وحتى تطلع الرسول والمؤمنون معه من هول ما قاسوه إلى الله ، استعجالا لنصره ، فهم لا يشكون في تحقيق وعده ، ولكنهم يتعجلون حدوثه .
قال الزمخشري : وقوله { وزلزلوا } : أي أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة ، بما أصابهم من الأهوال والأقراع ، حتى يقول الرسول : أي الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها متى نصر الله ؟ أي بلغ بهم الضجر ، ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك ، ومعناه طلب النصر وتمنيه ، واستطالة زمان الشدة ، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدة وتماديه في العظم ، لأن الرسل لا يقادر قدر ثباتهم ، واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم ، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمع وراءها( 156 ) .
والرسول هنا : للجنس لأن كل رسول جاهد في سبيل الله هو والمؤمنون به وتعرضوا للشدائد والأهوال ، فلجأوا إلى الله تعالى يطلبون نصره .
والرسول هنا : شعياء . وقيل أشعياء وقيل : اليسع وعلى التعيين يكون المراد من الذين خلوا قوما بأعيانهم وهم أتباع هؤلاء الرسل " ( 157 ) .
إنه مدخر لمن يستحقونه ، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية ، الذين يثبتون على البأساء والضراء ، الذين يصمدون للزلزلة .
وفي هذه الجملة ألوان من المؤكدات والمبشرات بالنصر القريب ، منها إيثار الجملة الاسمية على الجملة الفعلية ، فلم يقل مثلا ستنصرون وتصدير الجملة بأداة الاستفتاح ، ووقوع إن المؤكدة بعد أداة الاستفتاح وإضافة النصر إلى الله القادر على كل شيء .
وبذلك نرى أن الآيات من قوله تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا . . . } إلى هنا ، قد بينت لنا أقسام الناس في هذه الحياة ودعت المؤمنين إلى أن يتمسكوا بجميع تعاليم الإسلام ، وأن يزهدوا في زينة الحياة التي شغلت المشركين عن كل شيء سواها ، وأن يشكروا الله على هدايته لهم إلى الحق الذي اختلف فيه غيرهم ، وأن يوطنوا النفس على تحمل الآلام لكي يحقق الله لهم الآمال .
ثم أرشد الله تعالى المؤمنين بعد ذلك إلى أن مما يعنيهم على دفع الأذى وعلى دحر أعدائهم أن يبذلوا أموالهم في طاعة الله ، وأن يعدوا أنفسهم للقتال في سبيله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.