المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

87- قالوا ساخرين مستهزئين : يا شعيب ، أصلاتك هي التي تأمرك أن تحملنا على ترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام ، وعلى أن نمتنع عن التصرف في أموالنا كما نريد مما نرى فيه مصلحتنا ؟ إن ذلك غاية السَّفه والطيش . ولا يتفق مع ما نعرفه عنك من العقل وسداد الرأي ، فأنت المعروف بكثرة الحلم والرشد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

فجاءوا{[14865]} يهرعون إليه . يقولون له على سبيل التهكم ، قَبَّحهم الله : { أَصَلاتُكَ } {[14866]} ، قال الأعمش : أي : قرآنك{[14867]} { تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } أي : الأوثان والأصنام ، { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } فنترك التطفيف{[14868]} على قولك ، هي أموالنا نفعل فيها ما نريد .

[ قال الحسن ]{[14869]} في قوله : { أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا }{[14870]} إيْ والله ، إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم .

وقال الثوري في قوله : { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } يعنون الزكاة .

وقولهم : { إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } قال ابن عباس ، وميمون بن مِهْرَان ، وابن جُرَيْج ، وابن أسلم ، وابن جرير : يقولون ذلك - أعداء الله - على سبيل الاستهزاء ، قبحهم الله ولعنهم عن رحمته ، وقد فَعَلْ .


[14865]:- في ت ، أ : "فجاءه قومه".
[14866]:- في ت : "أصلواتك".
[14867]:- في أ : "قراءتك".
[14868]:- في أ : "الطفيف".
[14869]:- زيادة من ت ، أ.
[14870]:- في ت : "أصلواتك".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

كانت الصلاة من عماد الأديان كلّها . وكان المكذبون الملحدون قد تمالؤوا في كل أمة على إنكارها والاستهزاء بفاعلها { أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون } [ الذاريات : 53 ] ، فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلّغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم بناء على التناسب بين السبب والمسبب في مخالفة المعتاد قصداً للتهكم به والسخرية عليه تكذيباً له فيما جاءهم به ، فإسناد الأمر إلى الصلوات غير حقيقي إذ قد علِم كل العقلاء أن الأفعال لا تأمر> والمعنى أنّ صلاته تأمره بأنهم يتركون ، أي تأمره بأن يحملهم على ترك ما يعبد آباؤهم . إذ معنى كونه مأموراً بعمل غيره أنه مأمور بالسعي في ذلك بأن يأمرهم بأشياء .

و { ما } في قوله : { ما يعبد آباؤنا } موصولة صادقة على المعبودات . ومعنى تركها ترك عبادتها كما يؤذن به فعل { يعبد } . ويجوز أن تكون { ما } مصدرية بتقدير : أن نترك مثل عبادة آبائنا .

وقرأ الجمهور « أصلواتك » بصيغة جمع صلاة . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف « أصلاتك » بصيغة المفرد .

و { أوْ } من قوله : { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } لتقسيم ما يأمرهم به لأن منهم من لا يتّجر فلا يطفف في الكيل والميزان فهو قسم آخر متميّز عن بقية الأمة بأنه مأمور بترك التطفيف . فقوله : { أن نفعل } عطف على { ما يعبد آباؤنا } ، أي أن نترك فِعْلَ ما نشاء في أموالنا فنكون طوع أمرك نفعل ما تأمرنا بفعله ونترك ما تأمرنا بتركه .

وبهذا تعلم أن لا داعي إلى جعل { أو } بمعنى واو الجمع ، كما درج عليه كثير من المفسرين مثل البيضاوي والكواشي وجعلوه عطفاً على { نترك } فتوجّسوا عدم استقامة المعنى كما قال الطبري . وتأوله بوجهين : أحدهما عن أهل البصرة والآخر عن أهل الكوفة ، أحدهما مبني على تقدير محذوف والآخر على تأويل فعل { تَأمرك } وكلاهما تكلف . وأما الأكثر فصاروا إلى صرف { أو } عن متعارف معناها وقد كانوا في سعة عن ذلك . وسكت عنه كثير مثل صاحب « الكشاف » . وأومأ البغوي والنسفي إلى ما صرحنا به .

وجملة { إنك لأنت الحليم الرشيد } استئناف تهكم آخر . وقد جاءت الجملة مؤكدة بحرف ( إنّ ) ولام القسم ، وبصيغة القصر في جملة { لأنت الحليم الرشيد } فاشتملت على أربعة مؤكدات .

والحليم ، زيادة في التهكم : ذو الحلم أي العقل ، والرشيد : الحسن التدبير في المال .