يقول تعالى مخاطبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : { إِنّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } أي : هو حق من الله ، وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه .
وقوله : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان ، عليه السلام ، له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية ، وبما ثبت في الصحيحين من رواية هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع حَلَبَةَ خصم بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : " ألا إنما أنا بشر ، وإنما أقضي بنحو مما أسمع ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها{[8249]} أو ليذرها " {[8250]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد دَرَسَتْ ، ليس عندهما{[8251]} بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم ألْحَن بحُجَّتِه من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار ، يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة " . فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ، ثم توخيا الحق ، ثم استهما ، ثم ليُحْللْ كل واحد منكما{[8252]} صاحبه " .
وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد ، به . وزاد : " إني إنما أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل عليّ فيه " {[8253]} .
وقد روى ابن مَرْدُويه ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : إن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فسرقت درع لأحدهم ، فأظن بها رجل من الأنصار ، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن طُعْمةَ بن أُبَيْرق سرق درعي ، فلما رأى السارق{[8254]} ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء ، وقال لنفر من عشيرته : إني غَيَّبْتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان ، وستوجد عنده . فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا : يا نبي الله ، إن صاحبنا بريء . وإن صاحب الدرع فلان ، وقد أحطنا بذلك علما ، فاعذُرْ صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه . فإنه إلا{[8255]} يعصمه الله بك يهلك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأه وعذرَه على رءوس الناس ، فأنزل الله : { إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا{[8256]} } [ يقول : احكم بما أنزل الله إليك في الكتاب ]{[8257]} { وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ]{[8258]} } ثم قال للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفين بالكذب : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا . هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ]{[8259]} } يعني : الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائنين ثم قال : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ]{[8260]} } يعني : الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ، ثم قال : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } يعني : السارق والذين جادلوا عن السارق . وهذا سياق غريب{[8261]} وكذا{[8262]} ذكر مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها أنزلت{[8263]} في سارق بني أبيرق على اختلاف سياقاتهم ، وهي متقاربة .
وقد روى هذه القصة محمد بن إسحاق مطولة ، فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية من جامعه ، وابن جرير في تفسيره :
حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحرَّاني ، حدثنا محمد بن سلمة الحرَّاني ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة ، عن أبيه ، عن جده قَتَادة بن النعمان ، رضي الله عنه ، قال : كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أُبَيْرق : بِشْر وبشير ومُبَشّر ، وكان بُشَير رجلا منافقًا ، يقول{[8264]} الشعر يهجو به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله بعض العرب ، ثم يقول : قال فلان كذا وكذا ، وقال فلان كذا وكذا ، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا : والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث ؟ - أو كما قال الرجل - وقالوا{[8265]} ابن الأبيرق قالها . قالوا : وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام ، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير ، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة{[8266]} من الشام من الدَّرْمَك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه ، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير ، فقدمت ضَافطة{[8267]} من الشام ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فحطه في مَشْربة له ، وفي المشربة سلاح : درع وسيف ، فَعُدي عليه من تحت البيت ، فَنقّبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح . فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ، إنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه . فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا . قال : فتجسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أُبَيْرق استوقدوا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم .
قال : وكان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار - : والله ما نرى صاحبكم إلا لَبِيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام . فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال : أنا أسرق ؟ والله{[8268]} ليخالطنكم هذا السيف ، أو لتبينن هذه السرقة . قالوا : إليك عنا أيها الرجل ، فما أنت بصاحبها . فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها .
فقال لي عمي : يا ابن أخي ، لو أتيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له . قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد ، فنَقَبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه . فَلْيردوا علينا سلاحنا ، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه . فقال النبي{[8269]} صلى الله عليه وسلم " سآمُرُ في ذلك " .
فلما سمع بنو أُبَيْرق أتوا رجلا منهم يقال له : أُسَير بن عمْرو{[8270]} فكلموه في ذلك ، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا : يا رسول الله ، إن قتادة{[8271]} بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح ، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت . قال قتادة : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فقال : " عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح ، ترميهم بالسرقة على غير ثَبَت ولا بينة ؟{[8272]}
قال : فرجعت ولَوَدِدت أني خرجت من بعض مالي ، ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ، ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان . فلم نلبث أن نزل القرآن : { إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } بني أبيرق { وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ } مما قلت لقتادة { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا . يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ] {[8273]} } إلى قوله : { رَحِيمًا } أي : لو استغفروا الله لغفر لهم { وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ } إلى قوله : { إِثْمًا مُبِينًا } قولهم للبيد : { وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } إلى قوله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فردَّه إلى رفاعة .
فقال قتادة : لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخًا ، قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي ، هو في سبيل الله . فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا ، فلما نزل القرآن لحق بُشَيرٌ بالمشركين ، فنزل على سُلافةَ بنت سعد بن سُمَية ، فأنزل الله تعالى : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من{[8274]} شعره ، فأخذت رَحْلَهُ فوضعته على رأسها ، ثم خرجت به فَرَمَتْ به في الأبطح ، ثم قالت : أهديتَ لي شِعْر حسان ؟ ما كنتَ تأتيني بخير .
لفظ الترمذي ، ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني : وروى يونس بن بُكَير وغير واحد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة مرسلا لم يذكروا فيه عن{[8275]} أبيه عن جده .
ورواه ابن حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني ، عن محمد بن سلمة ، به ببعضه .
ورواه ابن المنذر في تفسيره : حدثنا محمد بن إسماعيل - يعني الصائغ - حدثنا الحسن بن أحمد ابن أبي شعيب الحراني ، حدثنا محمد بن سلمة - فذكره بطوله .
ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب ، كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، عن محمد بن سلمة ، به . ثم قال في آخره : قال محمد بن سلمة : سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إسرائيل{[8276]} .
وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري هذا الحديث في كتابه " المستدرك " عن أبي العباس الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار العُطاردي ، عن يونس بن بُكَير ، عن محمد بن إسحاق - بمعناه أتم منه ، وفيه الشعر ، ثم قال : وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه{[8277]} .
في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتفويض إليه ، وتقويم أيضاً على الجادة في الحكم ، وتأنيب ما على قبول ما رفع إليه في أمر بني أبيرق بسرعة ، وقوله تعالى : { بما أراك الله } معناه : على قوانين الشرع ، إما بوحي ونص ، أو بنظر جار على سنن الوحي ، وقد تضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة ، وقوله تعالى : { ولا تكن للخائنين خصيماً ، واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً } سببها باتفاق من المتأولين أمر بني أبيرق ، وكانوا إخوة ، بشر وبشير ومبشر ، وكان بشير رجلاً منافقاً يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وينحل الشعر غيره ، فكان المسلمون يقولون : والله ما هو إلا شعر الخبيث ، فقال شعراً يتنصل فيه ، فمنه قوله :
أفكلما قال الرجال قصيدة . . . نحلت وقالوا : ابن الأبيرق قالها
قال قتادة بن النعمان : وكان بنو أبيرق أهل فاقة ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من درمك الشام{[4267]} فجعله في مشربة له{[4268]} ، وفي المشربة درعا له وسيفان ، فعدي على المشربة من الليل فنقبت وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ، تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا ، فقال : فتحسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نراه إلا على بعض طعامكم ، قال : وقد كان بنو أبيرق قالوا : «ونحن نسأل » والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل ، رجل منا له صلاح وإسلام ، فسمع ذلك لبيد فاخترط سيفه{[4269]} ثم أتى بني ابيرق فقال : والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة ، قالوا : إليك عنا أيها الرجل ، فوالله ما أنت بصاحبها{[4270]} فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي : يابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بهذه القصة فأتيته عليه السلام فقصصتها عليه ، فقال : انظر في ذلك ، فلما سمع بذلك بنو أبيرق ، أتوا رجلاً منهم يقال له : أسير بن عروة{[4271]} فكلموه في ذلك ، واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة على بينة ، قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته قال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة عن غير بينة ، قال : فرجعت وقد وددت أن أخرج عن بعض مالي ولم أكلمه ، فأتيت عمي فقال : ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن { إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } الآيات .
فالخائنون بنو أبيرق ، والبريء المرمي لبيد بن سهل ، والطائفة التي همت : أسير وأصحابه .
وقال قتادة وغير واحد من المتأولين : هذه القصة ونحوها إنما كان صاحبها طعمة بن أبيرق ، ويقال فيه : طعيمة ، وقال السدي : القصة في طعمة بن أبيرق ولكن بأن استودعه يهودي درعاً فجحده إياها وخانه فيها وطرحها في دار أبي مليك الأنصاري{[4272]} ، وأراد أن يرميه بسرقتها لما افتضح ، وأبو مليل هو البريء المشار إليه ، وقال عكرمة : سرق طعمة بن أبيرق درعاً من مشربة ورمى بسرقتها رجلاً من اليهود يقال له : زيد بن السمين .
قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا يستدير على أن قوم طعمة أتوا النبي وكلموه في أن يذب عن طعمة ويرفع الدعوى عنه ، ودفعوا هم عنه ومنهم من يعلم أنه سرق ، فكانت هذه معصية من مؤمنيهم ، وخلق{[4273]} مقصود من منافقيهم فعصم الله رسوله من ذلك ، ونبه على مقالة قتادة بن النعمان بقوله : { ولا تكن للخائنين خصيماً } .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وطعيمة بن أبيرق صرح بعد ذلك بالارتداد وهرب إلى مكة ، ونزل على سلافة{[4274]} فرماها حسان بن ثابت بشعر ، فأخذت رحل طعمة ورمت به في الأبطح وقالت : اخرج عنا ، أهديت إليَّ شعر حسان ، فروي : أنه نزل على الحجاج بن علاط وسرقه فطرده ، وروي أنه نقب حائط بيت ليسرقه فانهدم الحائط عليه فقتله ، وروي : أنه اتبع قوماً من العرب فسرقهم فقتلوه .