بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا} (105)

ثم قال :

{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق } يعني : أنزلنا عليك جبريل عليه السلام ، ليقرأ عليك القرآن بالعدل والأمر والنهي { لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ الله } أي بما أعلمك الله وألهمك ، وبما أوحي إليك { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } ولا تكن للسارقين معيناً . وروى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر ، عن جده قتادة بن النعمان ، قال : كان بنو أبيرق وكانوا ثلاثة : بشر ، وبشير ، ومبشر . فكان بشر يكنى أبا طعمة ، وكان شاعراً ، وكان منافقاً ، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول : قال فلان وكان لعمي رفاعة بن زيد علية فيها طعام وسلاح ، فطرقه بشر من الليل ، فأخذ ما فيها من الطعام والسلاح ، فلما أصبح عمي دعاني وقال لي : إنه أغير علينا الليلة فقلت : من فعله ؟ فقال : بشير وأخوه . فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن بشيراً قد سرق من عمي الطعام والسلاح ، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه ، وأما السلاح فليردوه علينا ، فجاء قومه وكانوا أهل لسان وبيان فقالوا : إن رفاعة وابن أخيه عمدوا إلى أهل بيت منا يتهمونهم بالسرقة ، فوقع قولهم عند النبي صلى الله عليه وسلم موقعاً ، فبين الله خيانتهم فنزل : { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } وهو ابن طعمة . وقال الضحاك : سرق طعمة بن أبيرق اليهودي درعاً للزبير بن العوام ، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للزبير : « لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى ذلك بِحُجَّةٍ قَيِّمَةٍ وَشَهَادَةٍ صَحِيحَةٍ » فأنزل الله تعالى تصديقاً لقوله : { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } . وقال مقاتل : سرق طعمة بن أبيرق المنافق درعاً من يهودي ، فلما جاؤوا إلى بيته بالأثر ، رمى الدرع في دار رجل من الأنصار وأنكر ، فجاء قومه ليبرئوه من السرقة فنزلت هذه الآية . وقال الكلبي : سرق طعمة بن أبيرق درعاً من جار له يقال له قتادة بن النعمان ، فوضعه عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين ، وأنكر السرقة فجاء قومه يخاصمون عنه ، فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } .