غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا} (105)

102

ثم رجع إلى ما انجر منه الكلام وهو حديث المنافقين ، وفيه أن الأحكام المذكورة كلها بإنزال الله تعالى وليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلباً لرضا قومه ، وفيه أن كفر الكافر لا يبيح المساهلة في النظر له وإن كان يجوز الجهاد معه بل الواجب أن يحكم له وعليه بما أنزله تعالى على رسوله . قال أكثر المفسرين : إن رجلاً من الأنصار - يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحرث - سرق درعاً من جار له - يقال له قتادة بن النعمان - وجراباً فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق ، ثم خبأها عند رجل من اليهود - يقال له زيد بن السمين - فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم والله ما أخذها وما له بها من علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال : دفعها إلي طعمة وشهد له ناس من اليهود .

فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموه في ذلك وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إنك إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرىء اليهودي . فَهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل وكان هواه صلى الله عليه وسلم معهم وأن يعاقب اليهودي . وقيل : همَّ أن يقطع يده فأنزل الله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } الآيات إلى قوله : { ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً } وفي الآية دليل على أن طعمة وقومه كانوا منافقين وإلا لما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم نصرة الباطل وإلحاق السرقة باليهودي . قال أبو علي : قوله : { بما أراك الله } ليس منقولاً بالهمزة من رؤية البصر لأن حكم الحادثة لا يرى بالبصر ولا من رؤية القلب وإلا لاقتضى ثلاثة مفاعيل وليس في الآية إلا اثنان : أحدهما الكاف والآخر الضمير العائد المحذوف فهو إذن بمعنى الاعتقاد معناه بما علمك الله . وسمى ذلك العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جارياً مجرى الرؤية في القوة والظهور ، وكان عمر يقول : لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه والرأي منا ظن وتكلف . قال بعض العلماء : في الآية دلالة على أنه ما كان يحكم إلا بالوحي والنص ، وأن الاجتهاد ما كان جائزاً له صلى الله عليه وسلم وحينئذ يجب أن يكون حال الأمة كذلك لقوله :{ فاتبعوه }[ الأنعام :153 ] وأجيب بأن العمل بالقياس عمل بالنص أيضاً وكأنه تعالى قال : مهما غلب على ظنك أن حكم الصورة المسكوت عنها مثل حكم الصورة المنصوص عليها بسبب أمر جامع بين الصورتين ، فاعلم أن تكليفي في حقك أن تعمل بموجب ذلك الظن . { ولا تكن للخائنين } أي لأجلهم يريد بني ظفر وهم قوم طعمة { خصيماً } مخاصماً وأصله من الخصم بالضم والسكون وهو ناحية الشيء وطرفه ، وكأن كل واحد من الخصمين في ناحية من الحجة والدعوى .

/خ113