قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أراك الله }[ النساء :105 ]
في هذه الآيةِ تشريفٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وتفويضٌ إليه ، وتقويمٌ أيضاً على الجادَّة في الحُكْم ، وتأنيبٌ مَّا على قبولِ ما رُفِعَ إلَيْه في أمْر بَنِي أُبيْرِقٍ بِسُرْعَةٍ .
وقولُهُ تعالى : { بِمَا أَرَاكَ الله } معناه : على قوانينِ الشَّرْعِ ، إمَّا بوَحْيٍ ونَصٍّ ، أو نَظَرٍ جارٍ على سَنَنِ الوحْي ، وقد تضمَّنَ اللَّه تعالى لأنبيائه العِصْمَةَ .
وقوله تعالى : { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } ، قال الهَرَوِيُّ : { خَصِيماً } أيْ : مُخَاصِماً ، ولا دَافِعاً ، انتهى .
قال ( ع ) : سببها ، باتفاق من المتأولين : أمْرُ بني أُبَيْرِقٍ ، وكانوا إخْوَةً : بِشْرٌ ، وبَشِيرٌ ، وَمُبَشِّر ، وطُعَيْمَةُ ، وكان بَشِيرٌ رجلاً منافقاً يهجُو أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وينحل الشِّعْر لغيره ، فكان المسلمونَ يَقُولُونَ : واللَّهِ ، ما هو إلاَّ شِعْرُ الخَبِيثِ ، فقال شعراً يتنصَّل فيه ، فَمِنْهُ قوله :[ الطويل ]
[ أَفِي ] كُلِّ مَا قَالَ الرِّجَالُ قَصِيدَة *** نُحِلْتُ ، وَقَالُوا : ابن الأُبَيْرِقِ قَالَهَا
قال قتادةُ بنُ النُّعْمَانِ : وكان بَنُو أُبَيْرِقٍ أهْلَ فَاقَةٍ ، فابتاع عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلاً مِنْ دَرْمَكِ الشِّامِ ، فجعله في مَشْرُبَةٍ له ، وفي المَشْرُبَةِ دِرْعَانِ له وسَيْفَانِ ، فَعُدِيَ على المَشْرُبَةِ من اللَّيْلِ ، فلما أصْبَحَ ، أتانِي عَمِّي رفاعَةُ ، فقال : يَا ابْنَ أَخِي ، أتعلَمُ أنه قَدْ عُدِيَ علَيْنا في لَيْلَتِنَا هذه ، فَنُقِبَتْ مَشْرُبَتُنَا ، وذُهِبَ بطَعَامِنَا وسِلاَحِنا ، قال : فتحسَّسْنا في الدَّار وسألنا ، فَقِيلَ لنا : قد رأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ استوقدوا نَاراً في هذه الليلةِ ، ولاَ نُرَاهُ إلاَّ على بعض طعامِكُمْ ، قال : وقد كان بَنُو أُبَيْرِقٍ قالُوا ، ونَحْنُ نَسْأَلُ ، وَاللَّهِ ، مَا نرى صَاحِبَكُمْ إلاَّ لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ ، رَجلٌ مِنَّا لَهُ صَلاَحٌ وإسْلاَمٌ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ لَبِيدٌ ، فاخترط سَيْفَهُ ، ثُمَّ أتى بَنِي أُبَيْرِقٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ ، أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ ، فَقَالُوا : إلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ ، فَوَاللَّهِ ، مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا ، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حتى لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا ، فَقَالَ لِي عَمِّي : يَا ابْنَ أَخِي ، لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأخبرتَهُ بِهَذِهِ القِصَّةِ ، فأتيتُهُ صلى الله عليه وسلم ، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : انظر فِي ذَلِكَ ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِقٍ ، أَتَوْا رَجُلاً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ : أُسَيْرُ بْنُ عُرْوَةَ ، فكلَّموه في ذلكَ ، واجتمع إلَيْهِ ناسٌ مِنْ أَهْلِ الدارِ ، فأَتَوْا رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ رِفَاعَةَ عَمَدَا إلى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إسْلاَمٍ وَصَلاَحٍ يَرْمِيَانِهِمْ بِالسَّرِقَةِ على غَيْرِ بَيِّنَةٍ ، قال قَتَادةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمْتُهُ ، فَقَالَ : عَمَدتَّ إلى أَهْلِ بَيْتٍ ، ذُكِرَ مِنْهُمْ إسْلاَمٌ وَصَلاَحٌ ، فَرَمَيْتَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ، قال : فَرَجَعْتُ ، وَقَدْ وَدِدتُّ أَنْ أَخْرُجَ عَنْ بَعْضِ مَالِي ، وَلَمْ أُكَلِّمْهُ ، فَأَتَيْتُ عَمِّي ، فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : اللَّهُ المُسْتَعَانُ ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ القُرآن : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق . . . } الآيات ، قال : فالخائِنُونَ : بنو أُبَيْرِقٍ ، والبريءُ المَرْمِيُّ لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ ، والطائفةُ التي هَمَّتْ أُسَيْرٌ وأصحابُهُ .
قال ( ع ) : قال قتادة وغَيْرُ واحدٍ : هذه القصَّة ونحوها إنما كان صاحبُها طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ ، ويقال فيه : طُعَيْمَةُ .
قال ( ع ) : وطُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِق صرَّح بعد ذلك بالاِرتدادِ ، وهَرَبَ إلى مكَّة ، فرُوِيَ أنه نَقَبَ حائطَ بَيْتٍ ، ليسرقه ، فانهدم الحائطُ عليه ، فقَتَلَه ، ويروى أنه اتبع قوماً من العرب ، فسرقهم ، فقتلوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.