المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

100- واتخذ الكافرون - مع هذه الدلائل - الملائكة والشياطين شركاء لله ، وقد خلقهم فلا يصح مع علمهم ذلك أن يعبدوا غيره ، وهو الذي خلق الملائكة والشياطين ، فلا ينبغي أن يعبدوهم وهم مخلوقون مثلهم ! . . واختلق هؤلاء الكفار لله بنين : فزعم النصارى أن المسيح ابن الله ، وزعم مشركو بعض العرب أن الملائكة بنات الله ، وذلك جهل منهم . تنزّه الله تعالى عما يفترون في أوصافه سبحانه !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

هذا رد على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، وأشركوا{[10994]} في عبادة الله أن عبدوا الجن ، فجعلوهم شركاء الله في العبادة ، تعالى الله عن شركهم وكفرهم .

فإن قيل : فكيف عُبدت الجن وإنما كانوا يعبدون الأصنام ؟ فالجواب : أنهم إنما عبدوا الأصنام عن طاعة الجن وأمرهم إياهم بذلك ، كما قال تعالى : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } [ النساء : 117 - 120 ] ، وقال تعالى : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي [ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ]{[10995]} } [ الكهف : 50 ] ، وقال إبراهيم لأبيه : { يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا } [ مريم : 44 ] ، وقال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [ يس : 60 ، 61 ] ، وتقول{[10996]} الملائكة يوم القيامة : { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } [ سبأ : 41 ] ، ولهذا قال تعالى : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ } أي : وقد خلقهم ، فهو الخالق وحده لا شريك له ، فكيف يعبد معه غيره ، كما قال إبراهيم [ عليه السلام ]{[10997]} { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 95 ، 96 ] .

ومعنى الآية : أنه سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق وحده ؛ فلهذا يجب أن يُفْرَد بالعبادة وحده لا شريك له .

وقوله تعالى : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ينبه به تعالى على ضلال من ضل في وصفه تعالى بأن له ولدا ، كما يزعم من قاله من اليهود في العزير ، ومن قال من النصارى في المسيح وكما قال{[10998]} المشركون من العرب في الملائكة : إنها بنات الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

ومعنى قوله [ تعالى ]{[10999]} { وَخَرَقُوا } أي : واختلقوا وائتفكوا ، وتخرّصوا وكذبوا ، كما قاله علماء السلف . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وَخَرَقُوا } يعني : أنهم تخرصوا .

وقال العوفي عنه : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال : جعلوا له بنين وبنات . وقال مجاهد : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } قال : كذبوا . وكذا قال الحسن . وقال الضحاك : وضعوا ، وقال السُّدِّي : قطعوا .

قال ابن جرير : فتأويل الكلام إذًا : وجعلوا لله الجن شركاء{[11000]} في عبادتهم إياه ، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا ظهير { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } يقول : وتخرصوا لله كذبا ، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم بحقيقة ما يقولون ، ولكن جهلا بالله وبعظمته ، وأنه لا ينبغي إن كان إلها أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة ، ولا أن يشركه في خلقه شريك .

ولهذا قال تعالى : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } أي : تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد ، والنظراء والشركاء .


[10994]:في م: "وأشركوا به".
[10995]:زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".
[10996]:في أ: "ويقول".
[10997]:زيادة من م، أ.
[10998]:في م، أ: "قالت".
[10999]:زيادة من م.
[11000]:في م: "وجعلوا لله شركاء الجن".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

{ جعلوا } بمعنى صيروا ، و { الجن } مفعول و { شركاء } مفعول ثان مقدم ، ويصح أن يكون قوله { شركاء } مفعولاً أولاً و { لله } في موضع المفعول الثاني و { الجن } بدل من قوله { شركاء } وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله والقائلين إن الجن تعلم الغيب ، العابدين للجن ، وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الأودية في أسفارها ونحو هذا ، أما الذين «خرقوا البنين » فاليهود في ذكر عزير والنصارى في ذكر المسيح ، وأما ذاكروا البنات فالعرب الذين قالوا : للملائكة بنات الله ، فكأن الضمير في { جعلوا } و { خرقوا } لجميع الكفار إذ فعل بعضهم هذا ، وبنحو هذا فسر السدي وابن زيد ، وقرأ شعيب بن أبي حمزة «شركاء الجنِّ » بخفض النون ، وقرأ يزيد بن قطيب وأبو حيوة «الجِّن والجُّن » بالخفض والرفع على تقديرهم الجن ، وقرأ الجمهور «وخلَقهم » بفتح اللام على معنى وهو خلقهم ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وهو خلقهم » يحتمل العودة على الجاعلين ويحتملها على المجعولين ، وقرأ يحيى بن يعمر «وخلْقهم » بسكون اللام عطفاً على الجن أي جعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصناماً شركاء بالله ، وقرأ السبعة سوى نافع «وخرَقوا » بتخفيف للراء وهو بمعنى اختلفوا وافتروا{[5035]} وقرأ نافع «وخرّقوا » بتشديد الراء على المبالغة ، وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما «وحرّفوا » مشددة الراء ، وقوله { بغير علم } نص على قبح تقحمهم المجهلة وافترائهم الباطل على عمى ، { سبحانه } أي تنزه عن وصفهم الفاسد المستحيل عليه تبارك وتعالى .


[5035]:-قال الفراء: "يقال: خرق الإفك وخلقه واختلقه واخترقه واقتلعه وافتراه وخرصه إذا كذب فيه".