لما ذكر البراهين الخمسة من دلائل العالم الأعْلَى والأسفل على ثبوت الإلهية ، وكمال القدرة والحكمة ، ذكر بعد ذلك أنَّ من النَّاسِ من أثبت لله شركاء ، وهذه المَسْألةُ تقدَّمَ ذكرها ، إلاَّ أن المَذْكُورَ هنا غير ما تقَّدم ذِكرُهُ ؛ لأن مثبتي الشَّريك طوائف منها عَبَدَةُ الأصنام فهم يقولون : الأصنام شُرَكَاءُ لله في العبودية والتكوين .
ومنها من يقول : مدبر هذا العالم هو الكَوَاكِبُ ، وهؤلاء فَرِيقَان منهم من يقول : إنها وَاجِبَةُ الوجود لذواتها ، ومنهم من يقول : إنها ممكنة الوجود لذواتها محدثة ، خالقها هو الله تبارك وتعالى ، إلا أنه تبارك وتعالى فَوَّضَ تدبير هذا العالم الأسفل إليها ، وهؤلاء هم الذين نَاظَرَهُمُ الخليل عليه السلام بقوله : { لا أُحِبُّ الأفِلِينَ } [ الأنعام :76 ] .
ومنها الذين قالوا : للعالم إلهان : أحدهما : يفعل الخير خالق النور والناس والدَّوَابَ والأنعام والثاني : يفعل الشَّر ، [ وهو إبليس ]{[14770]} خالق الظلمة ، والسِّبَاع والحيَّات والعقارب ، وهم مذكورون هاهنا .
قال ابن عباس رضي الله عنهما والكلبي : نزلت هذه الآية في الزَّنَادقة أثبتوا الشرك لإبليس [ في الخلق ]{[14771]} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : والَّذِي يقوي هذا قوله تعالى :
{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً }{[14772]} [ الصافات :158 ] فإنما وصف بكونه من الجِنّ ؛ لأن لفظ الجِنّ مشتق من الاستتار ، والملائكة الروحانيون لا يرون بالعيون ، فصارت كأنها مستترة عن العيون ، فلهذا أطلق لفظ الجن عليها .
قال ابن الخطيب - رحمه الله -{[14773]} : هو مذهب المَجُوسِ ، وإنما قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا قول الزَّنَادقة{[14774]} ؛ لأن المجوس يُلَقبونَ بالزنادقة ؛ لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نُزِّلَ عليه من عند الله تبارك وتعالى مسمى بالزند ، والمنسوب إليه يسمى زندي ، ثم أعْرِبَ فقيل : زنديق ، ثم جمع فقيل : الزنادقة .
واعلم أن المجُوسَ قالوا في كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان ، وجميع ما فيه من الشر فهو من اهرمن وهو المسمى ب " إبليس " في شرعنا ، ثم اختلفوا فقال أكثرهم : هو محدث ، ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة{[14775]} .
وقال بعضهم : إنه قَدِيمٌ أزَلِيٌّ ، واتفقوا أنه شريك لله -تعالى- في تَدْبيرِ هذا العالم ، فَخَيْرُهُ من الله تبارك وتعالى ، وشَرُّهُ من إبليس لَعَنَهُ الله ، فهذا شرح قول ابن عباس رضي الله عنهما{[14776]} .
فإن قيل : القوم أثبتوا لله شريكاً واحداً ، وهو إبليس ، فكيف حكى الله تعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء .
فالجواب : أنهم يقولون : عَسْكَرُ الله هم الملائِكَةُ ، وعسكر إبليس الشياطين ، والملائكة فيهم كثرة عظيمة ، وهم أرْوَاحٌ طاهرة مُقَدَّسَةٌ يلهمون الأرواح البشرية للخيرات والطاعات ، والشياطين فيهم أيضاً كثرة عظيمة تلقي الوَسَاوِس الخبيثة إلى الأرواح البَشَرِيَّةِ ، والله تبارك وتعالى مع عَسْكَرِهِ من الملائكة يحاربون إبْلِيسَ مع عَسْكَرِهِ من الشياطين ، فلهذا حكى الله تبارك وتعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء الجنَّ{[14777]} .
قوله : " شُرَكَاءَ الجنَّ " الجمهور{[14778]} على نصب " الجِنَّ " وفيه خمسة أوجه :
أحدها : وهو الظاهر أن الجِنَّ هن المفعول الأوَّل .
والثاني : هو " شركاء " قدم ، و " لله " متعلّق ب " شركاء " ، والجَعْلُ هنا بمعنى التَّصْيير ، وفائدة التقديم كما قال الزمخشري{[14779]} اسْتِعْظَامُ أن يتخذ لله شريك من كان ملكاً أو جنياً أو إنسيّاً ، ولذلك قد اسم الله -تبارك وتعالى- على الشُّركاء انتهى . ومعنى كونهم جعلوا الجنَّ شركاء لله هو أنهم يَعْتَقِدُونَ أنَّهُمْ يخلقون من المضارِّ والحيَّات والسباع ، [ كما جاء في التفسير ]{[14780]} .
وقيل : ثمَّ طائفة من الملائكة يُسَمَّوْنَ الجن كان بعض العرب يَعْبُدُهَا .
الثاني : أن يكون " شركاء " مفعولاً أوَّل ، و " لله " مُتعلِّق بمحذوف على أنه المفعول الثاني ، و " الجن " بدلٌ من " شركاء " أجاز ذلك الزمخشري{[14781]} ، وابن عطية{[14782]} ، والحوفي ، وأبو البقاء{[14783]} ، و مكي بن أبي{[14784]} طالب إلا أن مكيَّا لما ذكر هذا الوَجْهَ جعل اللام من " لله " مُتعلِّقةً ب " جعل " فإنه قال : الجنّ مفعول أوَّل ل " جَعَلَ " و " شركاء " مفعول ثانٍ مقدم ، واللام في " لله " متعلّقة ب " شركاء " وإن شِئْتَ جَعَلْتَ " شركاء " مفعولاً أوّل ، و " الجن " بدلاً من " شركاء " و " لله " في موضع المفعول الثاني ، واللام متعلقة ب " جعل " .
قال شهاب الدين{[14785]} : بعد أن جعل " لله " مفعولاً ثانياً كيف يُتَصَوَّرُ أن يجعل اللام متعلقة بالجعل ؟ هذا ما لا يجوز لأنه لما صار مفعولاً ثانياً تعيَّن تعلُّقُهُ بمحذوف على ما عرفته غير مَرَّة .
قال أبو حيَّان{[14786]} : " ومَا أجَازُوهُ - يعني الزمخشري ومن معه - لا يجوز ؛ لأنه يصح للبدل أن يحل مَحَلّ المبدل منه ، فيكون الكلام منتظماً لو قلت : وجعلوا لله الجِنَّ لم يصح ، وشرط البَدَلِ أن يكون على نِيَّةِ تَكْرَارِ العامل على أشهر القولين ، أو معمولاً للعامل في المبدل منه على قول ، وهذا لا يَصِحُّ هنا ألبتة لما ذكرنا " .
قال شهاب الدين{[14787]} : - رحمه الله تعالى - هذا القول المنسوب للزمخشري ، ومن ذكر معه سبقهم إليه الفرَّاء{[14788]} وأبو إسحاق{[14789]} ، فإنهما أجَازَا أن يكونا مفعولين قدم ثانيهما على الأوَّلِ ، وأجازا أن يكون " الجنَّ " بدلاً من " الشركاء " ومفسراً للشركاء هذا نَصّ عبارتهم ، وهو معنى صحيح أعني كون البَدَلِ مفسراً ، فلا معنى لرد هذا القول ، وأيضاً فقد رَدّ على الزمخشري{[14790]} عند قوله تعالى : { إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ } [ المائدة :117 ] فإنه لا يلزم في كل بدلٍ أن يحل محل المبدل منه ، قال : " ألا ترى إلى تَجْويز النحويين " زيد مررت به أبي عبد الله " ولو قلت : " زيد مررت بأبي عبد الله " لم يجز إلاَّ على رَأي الأخفش " ، وقد سبق هذا في " المائدة " فقد قرَّر هو أنه لا يلزمُ حُلُول البدل مَحَلّ المبدل منه ، فكيف يَرُدُّ به هنا ؟
الثالث : أن يكون " شركاء " هو المَفْعُول الأوّل ، و " الجن " هو المفعول الثاني قاله الحوفي ، وهذا لا يَصِحُّ لِمَا عَرَفْتَ أنَّ الأوَّل في هذا الباب مبتدأ في الأصل ، والثاني خبر في الأصل ، وتقرَّرَ أنه إذا اجتمع مَعْرِفَةٌ ونكرة جَعَلْتَ المعرفة مبتدأ ، والنكرة خبراً من غير عكس ، إلا في ضرورة تقدَّم التَّنْبِيهُ على الوارد منها ؟
الرابع : أن يكون " شركاء الجن " مفعولين على ما تقدَّم بيانه ، و " لله " متعلق بمحذوف على أنه حالٌ من " شركاء " ؛ لأنه لو تأخَّرَ عنها لجاز أن يكون صفة لها قاله أبو البقاء{[14791]} ، وهذا لا يَصِحُّ ؛ لأنه يصير المعنى : جعلوهم شركاء في حال كَوْنِهِم لله ، أي : مملوكين ، وهذه حالٌ لازمة لا تَنْفَكُّ ، ولا يجوز أن يقال : إنها غير منتقلة ؛ لأنها مؤكدة ؛ إذا لا تأكيد فيها هنا ، وأيضاً فإن فيه تَهْيِئَةَ العامل في معمول وقطعه عنه ، فإن " شركاء " يطلب هذا الجارّ ليعمل فيه ، والمعنى مُنْصَبٌّ على ذلك .
الخامس : أن يكون " الجنَّ " مَنْصُوباً بفعل مضمر جواب لسؤال مقدر ، كأن سائلاً سألَ ، فقال بعد قوله تعالى { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ } : مَنْ جعلوا لله شركاء ؟ فقيل : الجنّ ، أي : جعلوا الجِن .
نقله أبو{[14792]} حيَّان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير ، وجعله أحسن مما تقدم ؛ قال : " ويؤيد ذلك قراءة أبي حيوة{[14793]} ، ويزيد بن قطيب " الجنُّ " رفعاً على تقدير : هم الجنّ جواباً لمن قال : جعلوا لله شركاء ؟ فقيل : هم الجنُّ ، ويكون ذلك على سبيل الاسْتِعْظَامِ لما فعلوه ، والاسْتِنْقَاصِ بمن جعلوه شَرِيكاً لله تعالى " .
وقال مكي{[14794]} : " وأجاز الكِسَائِيُّ رفع " الجنّ " على معنى هم الجنّ " . فلم يَرْوِها عنه قراءة ، وكأنه لم يَطَّلِعْ على أن غيره قرأها كذلك .
وقرأ شعيب بن أبي حمزة{[14795]} ، ويزيد بن قطيب ، وأبو حيوة في رواية عنهما أيضاً " شركاء الجنِّ " بخفض " الجنّ " .
قال الزَّمَخْشريّ{[14796]} : " وقرئ بالجر على الإضافة التي للتَّبْيينِ ، فالمعنى : أشركوهم في عبادتهم ؛ لأنهم أطَاعُوهُمْ كما أطاعوا الله " .
قال أبو حيَّان{[14797]} : و لا يتَّضِحُ معنى هذه القراءة ؛ إذا التقدير : وجعلوا شركاء الجن لله .
قال شهاب الدين{[14798]} : مَعْنَاها واضح بما فَسَّرَهُ الزمخشري{[14799]} في قوله ، والمعنى : أشْرَكوهم في عبادتهم إلى آخره ، ولذلك سمَّاها إضافة تبيين أي أنه بين الشركاء ، كأنه قيل : الشركاء المطيعين للجن .
الجمهور{[14800]} على " خَلَقَهُمْ " بفتح اللام فعلاً ماضياً ، وفي هذه الجملة احتمالان :
أحدهما : أنها حالية ف " قد " مضمرة عند قوم ، وغير مضمرة عند آخرين .
والثاني : أنها مُسْتَانَفَةٌ لا محلَّ لها ، والضمير في " خلقهم " فيه وجهان :
أحدهما : أنه يعود على الجاعلين ، أي : جعلوا له شركاء مع أنه خلقهم وأوجدهم منفرداً بذلك من غير مشاركة له في خَلْقِهِم ، فكيف يشركون به غيره ممن لا تَأثيرَ له في خلقهم ؟
والثاني : أنه يعود على الجنِّ ، أي : والحال أنه خلق الشركاء ، فكيف يجعلون مخلوقه شريكاً له ؟
وقرأ يحيى{[14801]} بن يعمر : " وخَلْقهم " بسكون اللام .
قال أبو حيان{[14802]} - رحمه الله - : " وكذا في مصحف عبد الله " .
قال شهاب الدين{[14803]} : قوله : " وكذا في مصحف عبد الله " فيه نظرٌ من حيث إن الشَّكْلَ الاصطلاحي أعني ما يدل على الحَركَاتِ الثلاث ، وما يَدُلُّ على السكون كالجزء منه كانت حيث مصاحف السلف منها مجردة ، والضبط الموجودة بين أيدينا اليوم أمر حادث ، يقال : إن أوَّل من أحدثه يحيى بن يَعْمُر ، فكيف يُنْسَبُ ذلك لِمُصْحَفِ عبد الله بن مسعود ؟
أحدهما : أن يكون " خَلْقهم " مصدراً بمعنى اختلاقهم .
قال الزمخشري{[14804]} : أي اختلاقهم للإفْكِ ، يعني : وجعلوا لله خَلْقَهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم : " واللَّهُ أمَرَنَا بِهَا " انتهى .
فيكون " لله " هو المفعول الثاني قُدِّمَ على الأول .
والتأويل الثاني : أن يكون " خَلْقهم " مَصْدراً بمعنى مخلوقهم ، فيكون عَطْفاً على " الجنّ " ومفعوله الثاني محذوف ، تقديره : وجعلوا مخلوقهم وهو ما يَنْحِتُونَ من الأصنام كقوله تعالى :
{ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات :59 ] شركاء لله تعالى .
قوله تعالى : " وخَرَقُوا " قرأ الجمهور{[14805]} " خَرَقُوا " بتخفيف الراء ، ونافع بتشديدها .
وقرأ ابن{[14806]} عباس بالحاء المهملة والفاء وتخفيف الراء ، وابن عمر كذلك أيضاً ، إلا أنه شدَّدَ الراء ، والتخفيف في قراءة الجماعة بمعنى الاخْتِلاق .
قال الفراء{[14807]} : يقال : " خَلَقَ الإفْكَ وخَرَقَهُ واخْتَلَقَهُ وافتَرَاهُ وافتَعَلَهُ وخَرَصَهُ بمعنى كذب فيه " .
والتشديد للتكثير ، لأن القائلين بذلك خَلْقٌ كثير وجَمٌّ غفير .
وقيل : هما لغتان ، والتخفيف هو الأصل [ وحكى الزمخشري أنه سئل الحسن عن هذه الكلمة ، فقال : كلمة عربية كانت العربُ تقولها كان الرجل إذا كذب كذْبَةً في نادي القوم يقُولُ له بعضهم : قد خرقها والله أعلم ]{[14808]} .
وقال الزمخشري{[14809]} : " ويجوز أن يكون من خَرْقِ الثوب إذا شقّه ، أي : اشتقوا له بَنِينَ وبناتٍ " .
وأما قراءة الحاء المهملة فمعناها التَّزْوير ، أي : زَوَّرُوا له أولاداً ؛ لأن المُزَوِّرَ مُحَرِّفٌ ومُغَيِّرُ الحق إلى الباطل .
وقوله : " بِغَيْرِ عِلْمٍ " فيه وجهان :
أحدهما : أنه نَعْتٌ لمصدر محذوف ؛ أي : خَرَقُوا له خَرْقاً بغير علمٍ قاله أبو البقاء{[14810]} ، وهو ضعيف المعنى .
الثاني : وهو الأحسن : أن يكون منصوباً على الحال من فاعل " خَرَقوا " أي : افتعلوا الكذب مُصَاحبين للجهل وهو عدم العلم كقول اليهود { عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } [ التوبة :30 ] وقول النصارى :
{ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } [ التوبة :30 ] وقول كُفَّار العرب : الملائكة بَنَاتُ الله ، ثم إنه تبارك وتعالى نَزَّهُ نفسه ، فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } ، والمقصود تَنْزِيهُ الله تعالى عن كل ما لا يليقُ به .
واعلم أنه تبارك وتعالى حكى عن الكُفَّارِ أنه أثْبَتُوا له بَنينَ وبنات ، أما الذين أثبتوا البَنينَ فمنهم النَّصارى ، وقوم من اليهود ، وأما الذين أثبتوا البنات فهم العرب الذين يَقُولُون : الملائكة بناتُ الله .
وقوله : " بِغَيْرِ عِلْمٍ " كالتَّنْبِيهِ على ما هو الدليل القاطع على فسادِ هذا القول ؛ لأن الإله يجب أن يكون واجبَ الوجود لِذاتِهِ [ فولده إما أن يكون واجب الوجود لذاته ، أو لا يكون ، فإن كان واجب الوجود لذاته ]{[14811]} كان مُسْتَقِلاً بنفسه قائماً بذاته لا تعلُّق له في وجوده بالآخر ، ومن كان كذلك لم يكن له وَلَد ألْبَتَّةَ ؛ لأن الولد مُشْعِرٌ بالفرعية والحاجة .
وإن كان مُمْكِنَ الوجود ، فحينئذ يكون وُجُودُهُ بإيجاد واجب الوجود لذاته ، فيكون عَبْداً له لا والداً له ، فثبت أنَّ من عرف أن الإله ما هو امْتَنَعَ من أن يُثْبِتَ له البنات والبنين .
وأيضاً فإن الولدَ يحتاج إليه ليقوم مقامهُ عبد فنائِهِ ، وهذا إنما يُقالُ في حَقِّ مَنْ يَفْنَىَ ، أما من تقدَّس عن ذلك لم يعقل الولد في حقِّهِ .
أيضاً فإن الولد يشعر بكونه مُتولِّداً عن جُزْءٍ من أجزاء الوالد ، وذلك إنما يعقل في حقِّ المُركَّبِ من الأجزاء ، أما الفرد الواجب لذاته فَمُحَالٌ ، فمن علم ما حقيقة الله ؛ اسْتَحَالَ أن يقول : له ولد ، فكان قوله تبارك وتعالى : { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } إشارة إلى هذه الدقيقة .