الآية 100 وقوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن } أي قالوا : لله شركاء ، وكذلك قوله تعالى : { ويجعلون لله البنات }[ النحل : 57 ] أي يقولون : لله البنات ، أو وصفوا الله ؛ دليله ما ذكر في آخره { سبحانه وتعالى عما يصفون } دل هذا أن قوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء } أي وصفوه{[7510]} بالشركاء والولد .
وقوله تعالى : { شركاء الجن } قال بعضهم : هذا كقوله تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } [ الصافات : 158 ] . وقيل : إنهم لم يعبدوا الجن ، ولا قصدوا قصد عبادة الشيطان حين{[7511]} قال : { يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } [ يس : 60 ] لأن جميع أهل الكفر{[7512]} على اختلاف مذاهبهم يبغضون الشيطان ، ويلتعنون{[7513]} عليه . ولكن معناه أن الشيطان هو الذي دعاهم إلى عبادة الأصنام والأوثان ؛ فإذا عبدوا الأصنام بدعائه فكأنهم عبدوه ؛ إذ بأمره وبدعائه يعبدونها ، أو كما روي في الخبر أن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني شيطان ، فإذا عبدوها فكأنهم عبدوا الشيطان ، مثل هذا يحتمل ، والله أعلم .
فإن قيل : فإذا صاروا كأنهم عبدوا الشيطان ومن ذكر من الجن بدعائهم إلى ذلك وبأمرهم بذلك حتى نسب ، وأضاف العبادة إليهم ، كيف لا صار المؤمنين كأنهم عبدوا الرسل ؟ كأنهم إنما عبدوا الله بدعاء الرسل وبأمرهم ؟ قيل : لأن الرسل إنما دعوهم إلى عبادة الله ، وأمروهم بذلك . وأما أولئك فإنما دعوهم إلى عبادة من ذكر من ذات أنفسهم .
وفي قوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن } إخبار لأوليائه وتذكير لهم حسن صنيعه إلى أعدائه من الإنعام عليهم والإحسان إليهم ، وقبح صنيع أولئك إليه من وصفهم إياه بالولد والشركاء [ ليعاملوهم معاملة ] الأعداء{[7514]} أو معاملة أمثالهم .
[ وقوله تعالى ]{[7515]} : { وخلقهم } [ يحتمل وجهين :
أحدهما : ]{[7516]} يعلمون أنه هو خلقهم ، ثم يشركون غيره في ألوهيته وعبادته ، لا يوجهون شكر نعمه إليه{[7517]} .
والثاني : قوله تعالى : { وخلقهم } أي خلق هذه الأصنام التي يعبدونها ، [ ويعلمون أنها ]{[7518]} مخلوقة مسخرة مذللة . فمع ما يعلمون{[7519]} هذا يشركون في ألوهيته وعبادته . فكيف يكون المخلوق المسخر شريكا له ؟
وقوله تعالى : { وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } هم كانوا فرقا وأصنافا ؛ منهم من يقول بأن عيسى ابنه ، وهم النصارى ، ومنهم من يقول بأن عزيرا ابنه ، وهم اليهود{[7520]} ، وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله ، فقال تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى } { تلك إذا قسمة ضيزى } [ النجم : 21 و 22 ] ، وقال تعالى : { أم له البنات ولكم البنون } [ الطور : 39 ] وقال تعالى : { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمان مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم } [ الزخرف : 17 ] فإذا أنفتم{[7521]} أنتم من البنات كيف نسبتم [ البنات ]{[7522]} إليه ؟
وفي{[7523]} الآية يصبر رسول الله على أذاهم ؛ يقول : مع كثرة ما كان لهم من الله من النعم والمنن يشركون في عبادته غيره ، فأنت إذا لم يكن منك إليهم شيء من ذلك أولى أن تصبر على أذاهم .
وقوله تعالى : { بغير علم } أي يعلمون هم أن ليس له ولد ولا شريك . ولكن كانوا يكابرون . ويحتمل { بغير علم } على جهل يقولون ذلك .
وقوله تعالى : { سبحانه وتعالى عما يصفون } هو حرف تعظيم وتنزيه ؛ جعله{[7524]} في ما بين الخلق ، به يعظمون ، وبه ينزهون ، وبه ينفون كل عيب فيه فعلى ذلك ذكره عند وصف الكفرة [ الله ]{[7525]} بالولد والشريك والعيوب تنزيها [ وتبريئا من ]{[7526]} كل عيب وصفوه [ به ]{[7527]} وتعاليا عن جميع ما قالوا فيه ، وهو ، الله أعلم ، كما يقولون : معاذ الله تعظيما وتبريئا من{[7528]} ذلك .
وفي قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عما يصفون } نقض قول المعتزلة{[7529]} : إن صفات الله ليست إلا وصف الواصفين . فلو لم يكن إلا وصف الواصفين لا غير لكان لا معنى لذم بعض الواصفين وحمد بعضهم . ثبت أن في ذلك صفة سوى وصف الواصفين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.