الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

قوله سبحانه : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجن }[ الأنعام :100 ] .

{ جَعَلُواْ } : بمعنى صَيَّروا ، و{ الجن } : مفعولٌ ، و{ شُرَكَاءَ } مفعولٌ ثانٍ ،

قال ( ص ) : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الجن } { جَعَلُواْ } : بمعنى : صَيَّروا ، والجمهورُ على نَصْب ( الجنِّ ) ، فقال ابن عطيَّة وغيره : هو مفعولٌ أول لِ { جَعَلُواْ } ، و{ شُرَكَاء } الثاني ، وجوَّزوا فيه أن يكون بدلاً من { شُرَكَاء } ، و{ لِلَّهِ } في موضع المفعولِ الثانيِ ، و{ شُرَكَاء } الأول ، وردَّه أبو حَيَّان ، بأن البدل حينئذ لا يَصحُّ أن يحل محلَّ المبدل منه ، إذ لو قلْتَ : وجعلوا للَّه الجنَّ ، لم يصحَّ ، وشرط البدل أنْ يكون على نيَّة تكرار العامل ، على الأشهر ، أو معمولاً للعاملِ ، في المُبْدَلِ منه ، على قول ، وهذا لا يصحُّ ، كما ذكرنا ، قلْتُ : وفيه نظر ، انتهى .

قلتُ : وما قاله الشيخُ أبو حَيَّان عندي ظاهرٌ ، وفي نظر الصَّفَاقُسِيِّ نَظَرٌ ، وهذه الآية مشيرة إلى العادِلِينَ باللَّه تعالى ، والقائلين : إن الجنَّ تعلم الغيْبَ ، العابدين للجنِّ ، وكانت طوائفُ من العرب تفعَلُ ذلك ، وتستجير بجِنِّ الوادِي في أسفارها ونحوِ هذا ، وأما الذين خَرَقُوا البنينَ ، فاليهودُ في ذكْر عُزَيْرٍ ، والنصارى في ذكر المسيحِ ، وأما ذاكرو البناتِ ، فالعربُ الذين قالوا : الملائكةُ بناتُ اللَّهِ ، تعالى اللَّه عن قولهم ، فكأنَّ الضمير في { جَعَلُواْ } و{ خَرَقُوا } ، لجميع الكفَّار ، إذ فَعَلَ بعضُهم هذا ، وبعضُهم هذا ، وبنحو هذا فسَّر السُّدِّيُّ وابن زَيْد ، وقرأ الجمهورُ : ( وَخلَقَهُمْ ) بفتح اللام ، على معنى : وهو خلقهم ، وفي مصحف ابنِ مسعود : ( وَهُوَ خَلَقَهُمْ ) ، والضمير في { خَلْقَهُمْ } يَحْتَمِلُ العودَةَ على الجاعلين ، ويحتملُها على المجْعُولِينَ ، وقرأ السبعة سوى نافعٍ : ( وَخَرَقُوا ) بتخفيف الراء ، بمعنى اختلقوا وافتروا ، وقرأ نافع : ( وَخَرَّقُوا ) بتشديد الراء ، على المبالغة ، وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } نصٌّ على قُبْح تقحُّم المَجْهَلة ، وافتراءِ الباطلِ على عَمًى ، و{ سبحانه } معناه : تنزَّه عن وصفهم الفاسدِ المستحيلِ عليه تبارك وتعالى .