غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

91

{ وجعلوا لله شركاء الجن } قال الكلبي : عن ابن عباس نزلت في الزنادقة قالوا إن الله تعالى وإبليس أخوان ، فالله خالق الناس والدواب والأنعام ، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب . قال في التفسير الكبير : هذا مذهب المجوس فإنما قال ابن عباس هذا قول الزنادقة لأن المجوس يلقبون بالزنادقة لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزل عليه من عند الله يسمى بالزند والمنسوب إليه زندي ، ثم عرّب فقيل زنديق ، ثم جمع فقيل زنادقة ، ثم إنهم قالوا كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان ، وجميع ما فيه من الشرور فهو من أهرمن وهو المسمى بإبليس في شرعنا ، ثم اختلفوا فالأكثرون منهم على أن أهرمن محدث ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة كقولهم إنه تعالى فكر في مملكة نفسه واستعظمها ففعل نوعاً من العجب فتولد الشيطان من ذلك العجب ، وكقولهم شك في قدرة نفسه فتولد من شكه الشيطان . والأقلون منهم قالوا إنه قديم أزلي والحاصل أنهم يقولون : عسكر الله تعالى هم الملائكة ، وعسكر إبليس هم الشياطين والملائكة فيهم كثرة عظيمة وهم أرواح طاهرة مقدسة تلهم الأرواح البشرية الطاعات ، والشياطين فيهم أيضاً كثرة عظيمة يلقون الوساوس إلى الأرواح البشرية ، والله تعالى مع عسكره يحاربون إبليس مع عسكره فلهذا السبب حكى الله تعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء من الجن بلفظ الجمع وإن كان شريكه عندهم بالحقيقة واحداً وهو أهرمن . وانتصاب { الجن } على أنه بدل أو بيان لشركاء أو على أنه مفعول أول ل { جعلوا } و{ شركاء } ثانيه ويكون { لله } طرفاً لغواً . وفائدة تقديم المفعول الثاني على هذا القول استعظام أن يتخذ لله شريك كائناً من كان ، ملكاً أو جنياً أو إنسياً ، ولذلك قدم اسم الله على الشركاء . وقرئ { الجن } بالرفع كأنه قيل : من هم ؟ فقيل : الجن . وبالجر على الإضافة التي للتبيين . وقيل : إن الآية نزلت في الكفار الذين جعلوا الملائكة بنات الله . وحسن إطلاق الجن على الملائكة لاستتارهم عن العيون . ومعنى كونهم شركاء أنها مدبرة لأحوال هذا العالم ومعينة لله إعانة الولد للوالد . وعن الحسن وطائفة من المفسرين : أن المراد أن الجن دعوا الكفار إلى عبادة الأصنام وإلى القول بالشركة فأطاعوهم كما يطاع الله . أما قوله { وخلقهم } فإشارة إلى الدليل القاطع على إبطال الشريك . والضمير فيه إما أن يعود إلى الجن أو إلى الجاعلين فإن عاد إلى الجن فإن قلنا إن الآية نزلت في المجوس فتقريره أن الأكثرين منهم معترفون بأن إبليس محدث ولو لم يعترفوا بذلك والبرهان العقلي قائم على أن ما سوى الحق الواحد ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فهو محدث ، فنقول حينئذ ، كل محدث مخلوق وله خالق وما ذاك إلا الله سبحانه ، وحينئذ يلزمهم نقض قولهم لأنه ثبت أن إله الخير قد فعل أعظم الشرور وهو خلق إبليس الذي هو مادة كل شر . وإن قلنا : إنها نزلت في كفار العرب القائلين الملائكة بنات الله ، فظاهر لأنهم يسلمون أن الملائكة مخلوقون وأنهم تولدوا منه تولد الولد من الوالد . وإن عاد الضمير إلى الجاعلين فالمعنى . وعلموا أن الله خلقهم دون الجن كقوله { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 ] ولم يمنعهم علمهم أن يتّخذوا من لا يخلق شريكاً للخالق . والجملة في موضع الحال أي وقد خلقهم . وقرئ { وخلقهم } بسكون اللام أي اختلاقهم للإفك يعني جعلوا لله خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم { والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] ثم حكي عن قوم آخرين نوعاً آخر من الإشراك فقال { وخرقوا له بنين وبنات } وذلك قول أهل الكتابين في المسيح وعزير ، وقول قريش في الملائكة ، ومن هنا يعلم ضعف قول من قال { وجعلوا لله شركاء الجن } نزل في كفار قريش لأنه يلزم التكرار من غير فائدة ظاهرة ، يقال : خرق الإفك وخلقه واخترقه واختلقه بمعنى . قال الحسن : كلمة عربية كان الرجل ، إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم : قد خرقها والله أعلم . ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له بنين وبنات . أما قوله { بغير علم } فكالتنبيه على إبطال قولهم ، فإن من عرف الإله حق معرفته استحال أن يثبت له ولداً لأن ذلك الولد إن كان واجب الوجود لذاته كان مستقلاً بنفسه قائماً بذاته لا تعلق له في وجوده بالآخرة تعلق الفرعية ، وإن كان ممكن الوجود لذاته كان موجوداً بإيجاد الواجب وكان عبداً له لا ولداً . وأيضاً الولد إنما يحتاج إليه ليقوم مقام الوالد بعد فنائه ومن تقدس عن الفناء لم يحتج إلى الولد . وأيضاً الولد جزء من أجزاء الوالد ومن لم يكن مركباً استحال أن ينفصل منه جزء يتولد منه الولد . ثم نزه نفسه عما لا يليق به فقال { سبحانه } وهذا على لسان المسبحين { وتعالى عما يصفون } وهذا له في نفسه سواء سبحه مسبح أم لا . والمراد بالتعالي العلو بالشرف والرفعة بدليل قوله عما يصفون .

/خ100