فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ} (100)

{ وجعلوا لله شركاء الجن } هذا كلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم ، والمعنى أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه وعظموهم كما عظموه ، قال الحسن : أي أطاعوا الجن في عبادة الأوثان ، وقال الزجاج : أطاعوهم فيما سولت لهم من شركهم ، وقيل المراد بالجن ههنا الملائكة لاجتنابهم أي استتارهم وهم الذين قالوا الملائكة بنات الله .

وقيل نزلت في الزنادقة الذين قالوا إن الله تعالى وابليس أخوان ، فالله خالق الناس والدواب ، وابليس خالق الحيات والسباع والعقارب ، روى ذلك عن الكلبي نقله ابن الجوزي عن ابن السائب والرازي عن ابن عباس ، ويقرب من هذا قول المجوس فإنهم قالوا للعالم صانعان هما الرب سبحانه والشيطان وهكذا القائلون أن كل خير من النور وكل شر من الظلمة وهم المانوية .

ومعنى { وخلقهم } قد علموا أن الله خلقهم وخلق ما جعلوه شريكا لله وهذا كالدليل القاطع على أن المخلوق لا يكون شريكا لله ، وكل ما في الكون محدث مخلوق فامتنع أن يكون شريكا له في ملكه .

{ وخرقوا } بالتشديد على التكثير لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله والنصارى ادعوا أن المسيح ابن الله ، واليهود ادعوا أن عزيرا ابن الله فكثر ذلك من كفرهم فشدد الفعل لمطابقة المعنى ، وقرئ بالتخفيف ، وقرئ وحرفوا عن التحريف أي زوروا قال أهل اللغة معنى خرقوا اختلقوا وافتعلوا وكذبوا ، يقال اختلق الإفك واخترقه وخرقه ، وأصله من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا .

{ له بنين وبنات } كائنين { بغير علم } بل قالوا ذلك عن جهل خالص ، وقيل بغير علم بحقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب بل رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره .

ثم بعد حكاية هذا الضلال البين والبهت الفظيع من جعل الجن شركاء لله ، وإثبات بنين وبنات له ، نزه الله نفسه عن هذه الأقاويل الفاسدة فقال : { سبحانه } وقد تقدم الكلام في معنى سبحانه وفيه تنزيه الله عن كل ما لا يليق بجلاله { و } معنى { تعالى عما يصفون } تباعد وارتفع عن قولهم بالباطل الذي وصوفه به .