افتتحت هذه السورة بقسم يشير إلى دلائل القدرة ، ويؤكد أن كل نفس عليها مهين ورقيب ، وطلبت أن يفكر الإنسان في نشأته ، وأنه خلق من ماء دافق ، ليستدل بذلك على أن الذي أنشأه هكذا قادر على إعادته بعد موته ، ثم ثنت بقسم آخر على أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل ، ومع كونه كذلك فقد جد الكفار في إنكاره والكيد له ، وقد رد الله كيدهم بكيد أشد من كيدهم . ثم ختمت السورة بطلب إمهال الكافرين .
قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد - قال : عبد الله وسمعته أنا منه - حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، عن عبد الرحمن ابن خالد بن أبي جَبل{[1]} العُدْواني ، عن أبيه : أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُشرّق ثَقيف وهو قائم على قوس - أو : عصا - حين أتاهم يبتغي عندهم النصر ، فسمعته يقول : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ " حتى ختمها - قال : فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ، ثم قرأتها في الإسلام - قال : فدعتني ثقيف فقالوا : ماذا سمعت{[2]} من هذا الرجل ؟ فقرأتها عليهم ، فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا ، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه{[3]} .
وقال النسائي : حدثنا عمرو بن منصور ، حدثنا أبو نعيم ، عن مسْعَر ، عن محارب بن دِثَار ، عن جابر قال : صلى معاذ المغرب ، فقرأ البقرة والنساء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفتان يا معاذ ؟ ما كان يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق ، والشمس وضحاها ، ونحو هذا ؟ " {[4]} .
يقسم{[29949]} تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ؛ ولهذا قال : { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } ثم قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } ثم فسره بقوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ }
قال قتادة وغيره : إنما سمي النجم طارقا ؛ لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار . ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا{[29950]} أي : يأتيهم فجأة بالليل . وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء : " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن " {[29951]} .
وقوله : { الثَّاقِبُ } قال ابن عباس : المضيء . وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها . وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان .
أقسم الله تعالى ب { السماء } المعروفة في قول جمهور المتأولين ، وقال قوم : { السماء } هنا ، المطر ، والعرب تسمية سماء ، لما كان من السماء ، وتسمي السحاب سماء ، ومن ذلك قول الشاعر [ جرير ] : [ الوافر ]
إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا{[11731]}
كالأقحوان غداة غب سمائه{[11732]} . . . { والطارق } الذي يأتي ليلاً ، وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً ، ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً{[11733]} ، ومنه طروق الخيال ، وقال الشاعر : [ البسيط ]
يا نائم الليل مغتراً بأوله . . . إن الحوادث قد تطرقن أسحاراً{[11734]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.