المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

40- الذين ظلمهم الكفار وأرغموهم على ترك وطنهم مكة والهجرة منها وما كان لهم من ذنب عندهم إلا أنهم عرفوا الله فعبدوه - وحده - ولولا أن الله سخر للحق أعواناً ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لساد الباطل ، وتمادى الطغاة في طغيانهم ، وأخمدوا صوت الحق ، ولم يتركوا للنصارى كنائس ، ولا لرهبانهم صوامع ، ولا لليهود معابد ، ولا للمسلمين مساجد يذكر فيها اسم الله ذكراً كثيراً ، وقد أخذ الله العهد الأكيد على نفسه أن ينصر كل من نصر دينه ، وأن يعز كل من أعز كلمة الحق في الأرض . ووعد الله لا يتخلف ، لأنه قوى على تنفيذ ما يريد عزيز لا يغلبه غالب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ }

قال العَوْفي ، عن ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق ، يعني : محمدًا وأصحابه .

{ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } أي : ما كان لهم إلى قومهم إساءة ، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله{[20311]} وحده لا شريك له . وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وأما عند المشركين فهو أكبر الذنوب ، كما قال تعالى : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } [ الممتحنة : 1 ] ، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] . ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ، ويقولون :

لا هُمّ{[20312]} لَولا أنتَ ما اهتَدَينا *** وَلا تَصَدّقَْنا وَلا صَلَّينَا

فَأنزلَنْ سَكينَةً عَلَينَا *** وَثَبّت الأقْدَامَ إنْ لاقَينَا

إنّ الألَى قد بَغَوا عَلَينَا *** إذَا أرَادوا فتْنَةً أبَيْنَا{[20313]}

فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول معهم آخر كل قافية ، فإذا قالوا : " إذا أرادوا فتنة أبينا " ، يقول : " أبينا " ، يمد بها صوته .

ثم قال تعالى : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي : لولا أنه يدفع عن قوم بقوم ، ويكشفُ شَرّ أناس عن غيرهم ، بما يخلقه ويقدره من الأسباب ، لفسدت الأرض ، وأهلك القوي الضعيف .

{ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } وهي المعابد الصغار للرهبان ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والضحاك ، وغيرهم .

وقال قتادة : هي معابد الصابئين . وفي رواية عنه : صوامع المجوس .

وقال مقاتل بن حَيَّان : هي البيوت التي على الطرق .

{ وَبِيَعٌ } : وهي أوسع منها ، وأكثر عابدين فيها . وهي للنصارى أيضًا . قاله أبو العالية ، وقتادة ، والضحاك ، وابن{[20314]} صخر ، ومقاتل بن حيان ، وخُصَيف ، وغيرهم .

وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره : أنها كنائس اليهود . وحكى السدي ، عمن حَدّثه ، عن ابن عباس : أنها كنائس اليهود ، ومجاهد إنما قال : هي الكنائس ، والله أعلم .

وقوله : { وَصَلَوَاتٌ } : قال العوفي ، عن ابن عباس : الصلوات : الكنائس . وكذا قال عكرمة ، والضحاك ، وقتادة : إنها كنائس اليهود . وهم يسمونها صَلُوتا .

وحكى السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : أنها كنائس النصارى .

وقال أبو العالية ، وغيره : الصلوات : معابد الصابئين .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : الصلوات : مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق . وأما المساجد فهي للمسلمين .

وقوله : { يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } فقد قيل : الضمير في قوله : { يُذْكَرَ فِيهَا } عائد إلى المساجد ؛ لأنها أقرب المذكورات .

وقال الضحاك : الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا .

وقال ابن جرير : الصوابُ : لهدمت صوامع الرهبان وبِيعُ النصارى وصلوات اليهود ، وهي كنائسهم ، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ؛ لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب .

وقال بعض العلماء : هذا تَرَقٍّ من الأقل إلى الأكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد ، وهي أكثر عُمَّارا وأكثر عبادا ، وهم ذوو القصد الصحيح .

وقوله : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } كقوله{[20315]} تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 7 ، 8 ] .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وَصَف نفسه بالقوة والعزة ، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وبعزته لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب ، بل كل شيء ذليل لديه ، فقير إليه . ومن كان القويّ العزيز ناصرَه فهو المنصور ، وعدوه هو المقهور ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] وقال [ الله ]{[20316]} تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] .


[20311]:- في ف ، أ : "وحد الله".
[20312]:- في أ : "والله".
[20313]:- الأبيات لعامر بن الأكوع كما في صحيح مسلم برقم (1803).
[20314]:- في أ : "أبو".
[20315]:- في ت : "لقوله".
[20316]:- زيادة من ت.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

{ الذين أخرجوا من ديارهم } يعني مكة . { بغير حق } بغير موجب استحقوه به . { ألا أن يقولوا ربنا الله } على طريقة قول النابغة :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب

وقيل منقطع . { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين . { لهدمت } لخربت باستيلاء المشركين على أهل الملل ، وقرأ نافع " دفاع " وقرأ نافع وابن كثير { لهدمت } بالتخفيف . { صوامع } صوامع الرهبانية . { وبيع } بيع النصارى { وصلوات } كنائس اليهود ، سميت بها لأنها يصلى فيها ، وقيل أصلها صلوتا بالعبرانية فعربت . { ومساجد } مساجد المسلمين . { يذكر فيها اسم الله كثيرا } صفة للأربع أو لمساجد خصت بها تفضيلا . { ولينصرن الله من ينصره } من ينصر دينه ، وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم . { إن الله لقوي } على نصرهم . { عزيز } لا يمانعه شيء .