محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } أي بغير حق سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين ، لا موجب الإخراج والتسيير . ومثله {[5545]} : { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله } وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم .

{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } أي لولا كفه تعالى المشركين بالمسلمين ، وإذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين ، لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم ، وعلى متعبداتهم فهدموها .

قال ابن جرير {[5546]} : ومنه كفه تعالى ببعضهم التظالم . كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم ومن كفه تعالى لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق . ونحو ذلك . وكل ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض . لولا ذلك لتظالموا . فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم ، وما سمى جل ثناؤه . و ( الصوامع ) مباني الرهبانية لخلوتهم . ( والبيع ) معابد النصارى . و ( الصلوات ) روي عن ابن عباس أنه عنى بها كنائس اليهود . سميت بها لأنها محلها . وقيل هي بمعناها الحقيقي : و ( هدمت ) بمعنى عطلت . أو فيه مضاف مقدر { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } أي ينصر دينه وأولياءه .

قال القاضي : وقد انجز الله وعده ، بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم ، وأورثهم أرضهم وديارهم . { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } .


[5545]:(5 المائدة 59).
[5546]:انظر الصفحة رقم 175 من الجزء السابع عشر (طبعة الحلبي الثانية).