أما قوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } فاعلم أنه تعالى لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظلموا فبين ذلك الظلم بقوله : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين : أحدهما : أنهم أخرجوهم من ديارهم والثاني : أنهم أخرجوهم بسبب أنهم قالوا : { ربنا الله } وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم ، فإن قيل كيف استثنى من غير حق قولهم : { ربنا الله } وهو من الحق ؟ قلنا تقدير الكلام أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ، ومثله { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله } ثم بين سبحانه بقوله : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت } أن عادته جل جلاله أن يحفظ دينه بهذا الأمر قرأ نافع { لهدمت } بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وههنا سؤالات :
السؤال الأول : ما المراد بهذا الدفاع الذي أضافه إلى نفسه ؟ الجواب : هو إذنه لأهل دينه بمجاهدة الكفار فكأنه قال تعالى : ولولا دفاع الله أهل الشرك بالمؤمنين ، من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبنونه من مواضع العبادة ، ولكنه دفع عن هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل الدين للعبادة وبناء البيوت لها ، ولهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام ، وذكر المفسرون وجوها أخر . أحدها : قال الكلبي يدفع الله بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد . وثانيها : روى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يدفع الله بالمحسن عن المسيء ، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي ، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق وبالذي يحج عن الذي لا يحج ، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه » ثم تلا هذه الآية . وثالثها : قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة . ورابعها : قال مجاهد يدفع عن الحقوق بالشهود وعن النفوس بالقصاص .
السؤال الثاني : لماذا جمع الله بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين ؟ الجواب : لأجل ما سألت عنه اختلفوا على وجوه : أحدها : قال الحسن المراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين ، وإن اختلفت العبارات عنها . وثانيها : قول الزجاج ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يصلي فيه ، فلولا ذلك الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه ، وفي زمن عيسى الصوامع ، وفي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المساجد فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ . وثالثها : بل المراد لهدمت هذه الصوامع في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها على كل حال يجري فيها ذكر الله تعالى فليست بمنزلة عبادة الأوثان .
السؤال الثالث : ما الصوامع والبيع والصلوات والمساجد ؟ الجواب : ذكروا فيها وجوها : أحدها : الصوامع للنصارى والبيع لليهود والصلوات للصابئين والمساجد للمسلمين عن أبي العالية رضي الله عنه . وثانيها : الصوامع للنصارى وهي التي بنوها في الصحارى والبيع لهم أيضا وهي التي يبنونها في البلد والصلوات لليهود ، قال الزجاج وهي بالعبرانية صلوتا . وثالثها : الصوامع للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود عن قتادة . ورابعها : أنها بأسرها أسماء المساجد عن الحسن ، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع ، وأما البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التشبيه ، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد .
السؤال الرابع : الصلوات كيف تهدم خصوصا على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين ؟ الجواب من وجوه : أحدها : المراد بهدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان إذا قابله بالكفر دون الشكر . وثانيها : بل المراد مكان الصلوات لأنه الذي يصح هدمه كقوله : { واسأل القرية } أي أهلها وثالثها : لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه ، كقولهم متقلدا سيفا ورمحا ، وإن كان الرمح لا يتقلد .
السؤال الخامس : قوله : { يذكر فيها اسم الله كثيرا } مختص بالمساجد أو عائد إلى الكل ؟ الجواب : قال الكلبي ومقاتل عائد إلى الكل لأن الله تعالى يذكر في هذه المواضع كثيرا ، والأقرب أنه مختص بالمساجد تشريفا لها بأن ذكر الله يحصل فيها كثيرا .
السؤال السادس : لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد ؟ الجواب : لأنها أقدم في الوجود ، وقيل أخرها في الذكر كما في قوله : { ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } ولأن أول الفكر آخر العمل ، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الرسل وأمته خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال عليه السلام : «نحن الآخرون السابقون » .
أما قوله تعالى : { ولينصرن الله من ينصره } فقال بعضهم من ينصره بتلقي الجهاد بالقبول نصرة لدين الله تعالى ، وقال آخرون : بل المراد من يقوم بسائر دينه ، وإنما قالوا ذلك لأن نصرة الله على الحقيقة لا تصح ، وإنما المراد من نصرة الله نصرة دينه كما يقال في ولاية الله وعداوته مثل ذلك وفي قوله : { ولينصرن الله من ينصره } وعد بالنصر لمن هذه حاله ونصر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر ويكون قائما بإيضاح الأدلة والبينات ، ويكون بالإعانة على المعارف والطاعات ، وفيه ترغيب في الجهاد من حيث وعدهم النصر ، ثم بين تعالى أنه قوي على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين ، وأنه لا يجوز عليه المنع وهو معنى قوله { عزيز } لأن العزيز هو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.