غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

23

ثم وصف ذلك الظلم بأن وصف الموعودين بالنصر بقوله { الذين أخرجوا من ديارهم } ومحل { أن يقولوا } جر على الإبدال من { حق } أي بغير موجب سوى التوحيد الذي يوجب الإقرار والتمكين لا الإخراج والإزعاج نظيره { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله } [ المائدة : 59 ] { ولولا دفع الله الناس } قد مر في أواخر البقرة . وللمفسرين في عبارات قال الكلبي : يدفع بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين . وعن ابن عباس : يدفع بالمحسن عن المسيء وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه ثم تلا هذه الآية " وقال الضحاك : يدفع بدين الإسلام وأهله عن أهل الذمة . وقال مجاهد : يدفع عن الحقوق بالشهود وعن النفوس بالقصاص . أما الصوامع والبيع والصلوات فعن الحسن أنها كلها أسماء المساجد ، فقد يتخذ المسلم لنفسه صومعة لأجل العبادة . قال الجوهري : الأصمع الصغير الأذن ويقال أتانا بثريدة مصمعه ، إذا دققت وحدد رأسها . وصومعة النصارى " فوعلة " من هذا لأنها دقيقة الرأس ، وقد تطلق البيعة على المسجد للتشبيه وكذا الصولات . وسميت كنيسة اليهود صلاة لأنها يصلى فيها ، ويحتمل أن يراد مكان الصلوات أو يراد الصلاة الشرعية نفسها . وصح إيقاع الهدم عليها نظراً إلى قرائنها كقوله : مقلداً سيفاً ورمحاً . وإن كان الرمح لا يتقلد . هذا كله توجيه تفسير الحسن . والأكثرون على أنها متعبدات مختلفة ، فعن أبي العالية أن الصوامع للنصارى والبيع لليهود والصلوات للصابئين والمساجد للمسلمين . وفي تخصيصها بقوله { يذكر فيها اسم الله كثيراً } تشريف لها وتفضيل على غيرها لأن الظاهر عود الضمير إليها فقط . وعن قتادة أن الصوامع للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود . قال الزجاج : وهي بالعبرانية صلوتا . وقيل : الصوامع والبيع كلتاهما للنصارى ولكن الأولى في الصحراء والأخرى في البلد ، وإنما أخر متعبد أهل الإسلام لتأخر زمانهم ولا ضير فإن أول الفكر آخر العمل . وقال صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون السابقون " وتفسير الآية على قول الأكثرين لولا دفع الله لهدم في شرع كل نبي المكان المعهود لهم في العبادة ، فهدم في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد . وعلى هذا الوجه إنما رفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف والنسخ ، ويحتمل أن يراد لولا ذلك لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان في زمن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المسلمين وأهل الكتاب الذين في ذمتهم ، وهدموا المتعبدات بأسرها . وعلى هذا الوجه إنما دفع عن سائر أهل الأديان لأن متعبداتهم يجري فيها ذكر الله في الجملة ليست بمنزلة بيوت الأصنام . ثم عزم على نفسه نصرة من ينصر دينه وأولياؤه وأكد ذلك بقوله { إن الله لقوي عزيز } ومعنى القوة والعزة أنه لا يمتنع شيء من نفاذ أمره فيه مع أنه لا يتأثر عن شيء أصلاً . ونصرة الله العبد تقويته على أعدائه ووضع الدلائل على ما يفيده في الدارين ونفث روح القدس بأمره داعية الخير والصلاح في روعه .

/خ41