الآية 40 : وقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله }قال بعض أهل التأويل : أخرج الكفار أصحاب رسول الله من مكة بغير حق بأن قالوا : ربنا الله ، وآمنوا به ووحدوه لهذا{[13099]} أخرجوهم .
وقال بعضهم : على التقديم والتأخير ؛ يقول : كأنه قال : أذن للذين ظلموا ، وأخرجوا من ديارهم بغير حق ، أن يقاتلوهم إلا أن يقولوا ربنا الله . فإذا قالوا ذلك يرفع عنهم القتال لأن أهل مكة كانوا لا يقرون ( بوحدانية الله ، ويشركون ){[13100]} به فإذا قالوا ذلك ، وأقروا أنه ربهم رفع عنهم القتال . وأما من يُقِرُّ به ، ويصدقه ، لكنه ينكر رسالة محمد ونبوته ، فمن{[13101]} لم يقر بها ، ولا يصدق بها ، فإن القتال لا يرفع عنه{[13102]} ، ومن يقر به ويصدقه بأنه رسوله ، إلا أنه ينكر الشرائع فإنه يقاتل حتى يقر بها ، ويصدق بها ، فإذا أقر بها رفع عنه{[13103]} القتال .
وذلك كله روي في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " ( البخاري 25 ) .
وفي خبر آخر ( ( حتى ){[13104]} يقولوا : لا إله إلا الله ، وإني رسول الله . فإذا قالوا ذلك عصموا مني كذا ) .
وفي خبر آخر : ( حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، وإني رسول الله . وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ( البخاري 25 ) إلى آخر ما ذكر .
فالأول ( في الذين ){[13105]} لا يقرون بوحدانية الله . فإذا أقروا به /349- ب/ رُفِعَ عنهم القتال .
والثاني : في الذين يُقِرُّونَ به ، ولا يؤمنون بالرسالة . فإذا آمنوا بها رفع عنهم القتال .
والثالث : في الذين يقرون بالله ، ويؤمنون برسوله ، لكنهم ينكرون الشرائع . فإذا أقروا بها رفع عنهم القتال .
كانوا أنواعا ثلاثة على ما ذكرنا فجاء في كل فريق ما ذكرنا والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات }إلى آخر ما ذكر كقوله {[13106]} في آية أخرى : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }( البقرة : 251 ) وكقوله {[13107]} في موضع آخر : { لفسدت السموات والأرض }( المؤمنون : 71 ) ونحوه .
قال بعضهم : دفع بالنبيين عن المؤمنين ، ودفع بالمجاهدين عن القاعدين ما لو لم يدفع لهدمت كذا وما ذكر ، أي دفع بالأخيار عن الشرار وبالأخير عن الأَدْوَن ، وإلا لهدمت ، وفسد ما ذكر .
وقال بعضهم : لو لا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يصوم عمن لا يصوم وبمن يحج عمن لا يحج ، وبمن يزكي عمن لا يزكي وبمن يفعل الخيرات عمن لا يفعل وإلا لفسدت الأرض ولهدمت الصوامع وما ذكر .
وعلى ذلك عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه صلى بأهل دمشق صلاة الصبح ، فقال : لو يعلم الناس ما{[13108]} في هذه الصلاة من الخير لحضروها . ثم قال : لولا أن الله يدفع بمن يحضر المساجد عمن لا يحضرها ، وبالغزاة عمن لا يغزو لجاءهم العذاب قبلا ، أو كلاما{[13109]} نحوا هذا .
وقال الحسن : إن( في ){[13110]} الصوامع والبيع والكنائس من الرهبان والأحبار ( من ){[13111]} يتمسك بالإسلام وشرائعه ، فيدفع بهم عمن لا يتمسك منهم .
وقال بعضهم : لولا دفع الله بأهل هذا الدين كلهم{[13112]} لكان كذا . وقال بعضهم : دفع بالمسلمين عن مسجدهم وبالنصارى عن بيعتهم وباليهود عن كنيستهم . إلى هذا ذهب أهل التأويل والمتقدمون .
ولو قيل غير هذا لكان أشبه وأقرب ؛ وهو أن الله خلق هذا الخلق ، وجعل{[13113]} بعضهم عونا لبعض وردا في أمر المعاش والدين جميعا ، وجعل بعضهم منافع متصلة ببعض لما{[13114]} لو كلف كلا القيام بنفسه لهلكوا ، ولم يكن في وسعهم القيام بذلك ، نحو أن لم يكلف أحدا القيام بجميع ما يحتاج إليه من الحراثة والزراعة والحصاد والدراس والتذرية والطحن والخبز وغيرها لما {[13115]} لو كلف بنفسه بذلك كله لهلك . ولكن جعل بعضهم عونا لبعض وردا ( في انتفاع ){[13116]} بعضهم ببعض .
وكذلك الغزل والنسيج والخياطة والقطع والغسل كله على هذا القياس لما {[13117]} لو كلف ( كل ){[13118]} بنفسه القيام بذلك كله لهلكوا ، ولو هلكوا هلك ما لهم خلق من السموات والأرض وما فيهما وما سخر لهم .
وقال بعضهم : دفع بما يذكر أهل المساجد في المساجد من أسماء {[13119]} الله عن أهل الصوامع والبيع والكنائس ، وهو قريب مما ذكرنا من قبل .
ثم اختلف في ما ذكر من الصوامع والبيع والصلوات . قال بعضهم : الصوامع للراهبين ، والبيع للنصارى ، والصلوات للكنائس التي تكون لليهود ، والمساجد للمسلمين . وقال بعضهم : الصلوات للصابئين .
وقال القتبي : الصوامع للصابئين ، والبِيَعُ للنصارى ، والصلوات{[13120]} بيوت صلوات اليهود ، والمساجد للمسلمين .
وقال أبو عوسجة : الصوامع للرهبانية ، والبيع للنصارى ومصلاهم ، والصلوات لليهود ، وهي شبه البيعة على ما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولينصرن الله من ينصره }( أي من نصر ){[13121]} أولياء الله نصره . وقال الحسن : من حكمه : أن من نصر{[13122]} الله نصره . وقد ذكرنا هذا في ما تقدم في غير موضع .
وقوله تعالى : { إن الله لقوي عزيز } يحتمل{ لقوي }لنصر أوليائه { عزيز } لانتقام أعدائه . أو يكون قوله : { لقوي عزيز } قويا{[13123]} يضعف كل قوي من دونه عند قواه ( وعزيزا ){[13124]} يذل كل عزيز ، أو قويا{[13125]} ، لا قوي سواه ، عزيزا{[13126]} لا عزيز سواه .
وفي ( قوله تعالى ){[13127]} : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات } وما ذكر دلالة ترك هدم الكنائس والبيع وما ذكر ، والنهي عن هدمها لأنه ذكر الصوامع والبيع . وعلى ذلك تركت الكنائس والبيع في أمصار المسلمين لم تهدم . ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك ، وإنما يمنعون عن إحداث البيع والكنائس في أمصار المسلمين وقراهم . وأما العتيقة منها فإنهم يتركون ذلك{[13128]} ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.