السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

ثم وصفهم بقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم } إلى الشعب والحبشة والمدينة { بغير حق } أوجب ذلك ما أخرجوا { إلا أن يقولوا } أي : بقولهم { ربنا الله } وهذا القول حق والإخراج به إخراج بغير حق ونظير ذلك قوله تعالى : { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله } [ المائدة : 59 ] .

تنبيه : الذين أخرجوا مجرور نعت للذين يقاتلون ، أو بدل منه ، أو منصوب على المدح ، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف { ولولا دفع الله } أي : المحيط بكل شيء علماً { الناس بعضهم ببعض } أي : بتسليط المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم وعلى متعبداتهم كما قال تعالى : { لهدّمت } أي : خربت { صوامع } وهي : معابد صغار للرهبان مرتفعة { وبيع } كنائس للنصارى { وصلوات } أي : كنائس لليهود وسميت بها لأنها يصلى فيها ، وقيل : هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية صلوتا { ومساجد } للمسلمين { يذكر فيها } أي : هذه المواضع المذكورة { اسم اللَّه } العليّ العظيم { كثيراً } وتنقطع العبادات بخرابها ، وقيل : الضمير يرجع للمساجد فقط تشريفاً لها بأن ذكر الله يحصل فيها كثيراً فإن قيل لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد أجيب بأنها أقدم في الوجود وقيل : أخرها في الذكر كما في قوله تعالى : { ومنهم سابق بالخيرات } [ فاطر ، 32 ] ولأنّ الذكر آخر العمل فلما كان نبينا صلى الله عليه وسلم خير الرسل وأمتنا خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «نحن الآخرون والسابقون » وقيل : أخرها لتكون بعيدة عن الهدم قريبة من الذكر وقرأ نافع دفاع بكسر الدال وفتح الفاء وألف بعدها والباقون بفتح الدال وسكون الفاء وقرى نافع وابن كثير لهدمت بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وأظهر التاء عند الصاد نافع وابن كثير وعاصم وأدغمها الباقون { ولينصرن الله } أي : الملك الأعظم { من ينصره } أي : ينصر دينه وأولياءه كائناً من كان منهم أو من غيرهم وقد أنجز الله تعالى وعده بأن سلطا المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم { إنّ الله } أي : الذي لا كفء له { لقويّ } أي : على ما يريد { عزيز } أي : منيع في سلطانه وقدرته .