فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ } المراد بالديار مكة { إلَّا أَن يَقُولُوا } .

قال سيبويه : هو استثناء منقطع أي لكن لقولهم : { رَبُّنَا اللَّهُ } أي أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم : ربنا الله وحده ، وقال الفراء والزجاج : هو استثناء متصل والتقدير : الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا الله فيكون مثل قوله سبحانه : { وما تنقمون منا إلا أن آمنا بآيات ربنا } .

{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ } وقرئ دفاع { بَعْضَهُم } بدل بعض من الناس { بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ } بالتشديد للتكثير وبالتخفيف أي لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل ، وتكرر الهدم لكثرة المواضع { صوامع } للرهبان ومعابدهم المتخذة في الصحراء ، وقيل صوامع الصابئين وهي جمع صومعة وهي بناء مرتفع محدب يقال : صمع الثريدة إذا رفع رأسها ورجل أصمع القلب أي حاد الفطنة والأصمع من الرجال الحديد القول ، وقيل الصغير الأذن ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام .

{ وبيع } جمع بيعة وهي كنيسة النصارى في البلد ، وقيل مساجد اليهود { وصلوات } هي كنائس اليهود وقيل النصارى ، وقد ذكر ابن عطية في صلوات تسع قراآت وهي جمع صلاة وسميت الكنيسة صلاة لأنها يصلي فيها ، وقيل هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية صلوتا قاله السمين ، ومعناه في لغتهم المصلى فلا يكون مجازا ، قاله الشهاب .

{ و مساجد } للمسلمين ، وقدمت الصوامع والبيع والصلوات على المساجد لكونها أقدم بناء وأسبق وجودا أو ليكون فيه الانتقال من شريف إلى أشرف ، والظاهر من الهدم معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره .

وقيل المعنى المجازي هو تعطيلها من العبادة ، والمعنى لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء بعضهم ببعض ، وإقامة الحدود لاستولى أهل الشرك وذهبت مواضع العبادة من الأرض ، وقيل المعنى لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد .

قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل هذه الآية فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ ، وقيل المعنى ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة ، وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار .

وعن علي قال : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : لولا دفع الله بأصحاب محمد عن التابعين لهدمت . الآية ؟ قال أبو حيان : أجرى الله العادة في الأمم بذلك بأن ينتظم به الأمر وتقوم الشرائع وتصان المتعبدات من الهدم وأهلها من القتل والشتات ويؤيد ذلك قوله تعالى : { وقتل داود جالوت } ، ثم قال : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض .

{ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ } ذكرا أو وقتا { كثيرا } والجملة صفة للمساجد ، وقيل لجميع المذكورات الأربع لأن كل واحد منها جمع { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ } اللام هي جواب لقسم محذوف أي والله لينصرن الله { مَن يَنصُرُهُ } أي دينه وأولياءه ومعنى نصره تعالى هو أن يظفر أولياءه بأعدائهم ويكون النصر بالتجليد في القتال وبإيضاح الأدلة والبينات وبالإعانة على المعارف والطاعات .

{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ } على نصر أوليائه { عَزِيزٌ } على انتقام أعدائه والقوي القادر على الشيء والعزيز الجليل الشريف قاله الزجاج ، وقيل الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع