بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

ثم أخبر الله عن ظلم كفار مكة ، فقال عز وجل : { الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقّ } ، يعني : بلا جرم أجرموا . { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله } ، يعني : لم يخرج كفار مكة المؤمنين بسبب ، سوى أنهم كانوا يقولون : ربنا الله ، فأخرجوهم بهذا السبب ويقال : في الآية تقديم ومعناه { أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون } الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، إلا أن يقولوا : ربنا الله : { وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } .

ثم قال : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } بالجهاد و إقامة الحدود وكف الظلم ؛ يقول : لولا أن يدفع المشركين بالمؤمنين ، لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين . { لَّهُدّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ } ؛ ويقال : ولولا دفع الله بالأنبياء وبالمؤمنين من غيرهم ، لهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى . { وصلوات } ، يعني : كنائس اليهود ، { ومساجد } المسلمين . { يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً } ؛ وقال مجاهد : لولا دفع الله تعالى الناس بعضهم ببعض في الشهادة في الحق ، لهدمت هذه الصوامع ، وما ذكر معها .

وقال الزجاج : تأويل هذا ، ولولا أن دفع الله بعض الناس ببعض ، لهدمت في شريعة كل نبي المكان الذي يصلي فيه ، فكان معناه : لولا دفع الله ، لهدم في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى البيع ، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء المساجد . قرأ نافع : { وَلَوْلاَ *** دفاع الله } بالألف ، والباقون بغير ألف ؛ وقرأ ابن كثير ونافع { لَّهُدّمَتْ } بالتخفيف ، والباقون بالتشديد على معنى المبالغة والتكثير .

ثم قال : { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ } ، يعني : لينصرن بالغلبة على عدوه من ينصره بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقال : لينصرن الله من ينصره ، يعني : ينصر الله من ينصر دينه بالغلبة ، كما قال في آية أخرى : { ياأيها الذين ءامنوا إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] . ثم قال : { إِنَّ الله لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ } ، أي منيع قادر على أن ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم بغير عونكم .