المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

100- أغاب عن الذين يخلفون من قبلهم من الأمم سنة الله فيمن قبلهم ، وأن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقوهم ؟ وهو أنهم خاضعون لمشيئتنا ، لو نشاء أن نُعَذبهم بسبب ذنوبهم لأصبناهم كما أصبنا أمثالهم ، ونحن نختم على قلوبهم لفرط فسادها حتى وصلت إلى حالة لا تقبل معها شيئاً من الهدى ، فهم بهذا الطبع والختْم لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه واتعاظ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا } أو لم نُبَيِّن ، [ وكذا قال مجاهد والسدي ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أو لم نبين ]{[11986]} لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم .

وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها : يقول{[11987]} تعالى : أو لم نبيِّن للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها ، فساروا سيرتهم ، وعملوا أعمالهم ، وعتوا على ربهم : { أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } يقول : أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم ، { وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } يقول : ونختم على قلوبهم { فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } موعظة ولا تذكيرًا .

قلت : وهكذا قال تعالى : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } [ طه : 128 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ } [ السجدة : 29 ] وقال { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ . وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ ]{[11988]} } [ إبراهيم : 44 ، 45 ] وقال تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا } [ مريم : 98 ] أي : هل ترى لهم شخصًا أو تسمع لهم صوتًا ؟ وقال تعالى : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } [ الأنعام : 6 ] وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عاد : { فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ . وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأحقاف : 25 - 27 ] وقال تعالى : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ سبأ : 45 ] وقال تعالى : { وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الملك : 18 ] وقال تعالى : { فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 45 ، 46 ] وقال تعالى : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأنعام : 10 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه ، وحصول نعمه لأوليائه ؛ ولهذا عقب ذلك بقوله ، وهو أصدق القائلين ورب العالمين :

{ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }


[11986]:زيادة من ك، م، أ.
[11987]:في م: "بقوله".
[11988]:زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . .

يقول : أو لم يبين للذين يستخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها ، فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم ، وعتوا عن أمر ربهم أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبهِمْ يقول : إن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم ، فأخذناهم بذنوبهم ، وعجّلنا لهم بأسنا كما عجلناه لمن كان قبلهم ممن ورثوا عنه الأرض ، فأهلكناهم بذنوبهم . وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ يقول : ونختم على قلوبهم فهم لا يَسْمَعونَ موعظة ولا تذكيرا سماع منتفع بهما .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أوَ لمْ يَهْدِ قال : يبّين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ أو لم يبين .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : أو لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يبين لهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يتبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم المشركون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها أو لم نبين لهم ، أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ قالوا : والهدى : البيان الذي بعث هاديا لهم مبينا لهم ، حتى يعرفوا ، ولولا البيان لم يعرفوا .