ومعنى أن الله أحد : أنه الصمد . وأنه لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . . ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
( الله الصمد ) . . ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه . والله - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد . وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات . وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه . . وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد .
{ الله الصمد } السيد المصمود إليه في الحوائج ، من صمد إليه إذا قصد ، وهو الموصوف به على الإطلاق ، فإنه يستغني عن غيره مطلقا ، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته ، وتكرير لفظة الله للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية ، وإخلاء الجملة عن العاطف ؛ لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها .
جملة ثانية محكية بالقول المحكية به جملة : { اللَّه أحد } ، فهي خبر ثان عن الضمير . والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله ، وإنما فصلت عن التي قبلها لأن هذه الجملة مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غيرَ ملحقة بالتي قبلها بالعطف ، على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول : الحوزُ شرط صحة الحُبس ، الحوز لا يتم إلا بالمعانية ، ونحو قولك : عنترة من فحول الشعراء ، عنترة من أبطال الفرسان .
ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله : { اللَّه الصمد } وكان مقتضى الظاهر أن يقال : هو الصمد .
و { الصَمد } : السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات ، وهو سيد القوم المطاع فيهم .
قال في « الكشاف » : وهو فَعَل بمعنى مفعول من : صَمَد إليه ، إذا قصده ، فالصمد المصمود في الحوائج . قلت : ونظيره السَّند الذي تُسند إليه الأمور المهمة . والفَلَق اسم الصباح لأنه يتفلق عنه الليل .
و{ الصمد } : من صفات الله ، والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم .
فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي . ومعناه : المفتقر إليه كلُّ ما عداه ، فالمعدوم مفتقر وجودُه إليه والموجود مفتقر في شؤونه إليه .
وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد ، وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع ، وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولاً . ويشمل هذا الاسمُ صفاتِ الله المعنويةَ الإِضافية وهي كونه تعالى حيّاً ، عالماً ، مريداً ، قادراً ، متكلماً ، سميعاً ، بصيراً ، لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصموداً إليه .
وصيغة { اللَّه الصمد } صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى ، وهو قصر قلب لإِبطال ما تعوّده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نَسُوا الله . قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله : « لقد علمتُ أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئاً " .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ الله الصمد } ... يقال : الصمد: السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم ، وبالإقرار والخضوع ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { اللّهُ الصّمَدُ } يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له الصمدُ .
واختلف أهل التأويل في معنى "الصمد" ؛
فقال بعضهم : هو الذي ليس بأجوف ، ولا يأكل ولا يشرب ...
وقال آخرون : هو الذي لا يخرج منه شيء ...
وقال آخرون : هو الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ...
وقال آخرون : هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه ...
وقال آخرون : بل هو الباقي الذي لا يفنَى ...
الصّمَدُ عند العرب : هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمي أشرافَها ...
فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة ، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى : { الله الصمد } قد ذكر أنه أحد ، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية ، وهو ، والله أعلم ، أنه أخرج جميع من سواه حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة ، وفي الصلاح بعد الكون ، وفي الذي به الدوام بعد الوجود ، والوجود بعد العدم ، ما احتمل الوجود دونه ، ولا البقاء إلا به ، أحاطت الحاجات بكل ليكون له الغنى عن الكل في الوجود والبقاء ليتحقق أنه الموجود بذاته، والباقي بذاته والمتعالي بذاته عن معنى وجود غيره ، سبحانه ، وهو ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هوية ألوهيته في جميع الأنام .
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
الصمد : الغني المحتاج إليه غيره ، وهذا دليل على أن الله تعالى [ أحدي ] الذات وواحد ؛ لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان صمدا غنيا يحتاج إليه غيره ؛ بل كان هو أيضا يحتاج إلى شريكه في المشاركة والتثنية ، ولو كان له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره ؛ بل هو محتاج في قوامه ووجوده إلى أجزاء تركيبه وحده ، فالصمد دليل على الواحدية والأحدية .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
و { الصمد } فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج . والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ، ولا يستغنون عنه ، وهو الغني عنهم ....
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و{ الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويستقل بها ، .... وبهذا تفسر هذه الآية ؛ لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات ، وإليه تصمد ، وبه قوامها ، ولا َغِنَّي بنفسه إلا هو تبارك وتعالى. ...
يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله ، وإذا كان الصمد مفسرا بالمصمود إليه في الحوائج ، أو بما لا يقبل التغير في ذاته لزم أن لا يكون في الوجود موجود هكذا سوى الله تعالى ، فهذه الآية تدل على أنه لا إله سوى الواحد ، فقوله : { الله أحد } إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى أنه ليس في ذاته تركيب ولا تأليف بوجه من الوجوه ، وقوله : { الله الصمد } إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى نفي الشركاء والأنداد والأضداد .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ الله } أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته ، لا غيره ، { الصمد } الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال ، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء ، وكل شيء إليه محتاج .....قال الإقليشي : فعلى هذا- أي أنه الذي يلجأ إليه ويعتمد عليه لتناهي سؤدده - يتشعب من صفة الصمد صفات السؤدد كلها ، من الجود ، والحلم وغير ذلك ، وإذا قلنا : إن الصمد العالي تشعبت منه صفات التعالي كلها من العزة والقهر والعلو ونحوها .... والأحد الذي لا نظير له . فاسمه الصمد يتضمن اتصافه بصفات الكمال ونفي النقائص عنه ، واسمه الأحد يتضمن أنه لا مثل له ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.