المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

236- ولا إثم عليكم - أيها الأزواج - ولا مهر إذا طلقتم زوجاتكم قبل الدخول بهن وقبل أن تُقدِّروا لهن مهرَا ، ولكن أعطوهن عطية من المال يتمتعن بها لتخفيف آلام نفوسهن ، ولتكن عن رضا وطيب خاطر ، وليدفعها الغنى بقدر وسعه والفقير بقدر حاله ، وهذه العطية من أعمال البر التي يلتزمها ذوو المروءات وأهل الخير والإحسان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

221

ثم يجيء حكم المطلقة قبل الدخول . وهي حالة جديدة غير حالات الطلاق بالمدخول بهن التي استوفاها من قبل . وهي حالة كثيرة الوقوع . فيبين ما على الزوجين فيها وما لهما :

( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة . ومتعوهن - على الموسع قدره وعلى المقتر قدره - متاعا بالمعروف حقا على المحسنين . وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم . إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح . وأن تعفوا أقرب للتقوى . ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير )

والحالة الأولى : هي حالة المطلقة قبل الدخول ، ولم يكن قد فرض لها مهر معلوم . والمهر فريضة ، فالواجب في هذه الحالة على الزوج المطلق أن يمتعها . أي أن يمنحها عطية حسبما يستطيع . ولهذا العمل قيمته النفسية بجانب كونه نوعا من التعويض . . إن انفصام هذه العقدة من قبل ابتدائها ينشىء جفوة ممضة في نفس المرأة ، ويجعل الفراق طعنة عداء وخصومة . ولكن التمتيع يذهب بهذا الجو المكفهر ، وينسم فيه نسمات من الود والمعذرة ؛ ويخلع على الطلاق جو الأسف والأسى . فهي محاولة فاشلة إذن وليست ضربة مسددة ! ولهذا يوصي أن يكون المتاع بالمعروف استبقاء للمودة الإنسانية ، واحتفاظا بالذكرى الكريمة . وفي الوقت نفسه لا يكلف الزوج ما لا يطيق ، فعلى الغني بقدر غناه ، وعلى الفقير في حدود ما يستطيع :

( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) . .

ويلوح بالمعروف والإحسان فيندي بهما جفاف القلوب واكفهرار الجو المحيط :

( متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

{ لا جناح عليكم } لا تبعة من مهر . وقيل من وزر لأنه لا بدعة في الطلاق قبل المسيس . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر النهي عن الطرق فظن أن فيه حرجا فنفى { إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } أي تجامعوهن . وقرأ حمزة والكسائي " تماسوهن " بضم التاء ومد الميم في جميع القرآن . { أو تفرضوا لهن فريضة } إلا أن تفرضوا ، أو حتى تفرضوا أو وتفرضوا . والفرض تسمية المهر . وفريضة نصب على المفعول به بمعنى فعيلة بمعنى مفعول . والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية ، ويحتمل المصدر . والمعنى أنه لا تبعة على المطلق من مطالبة المهر إذا كانت المطلقة غير ممسوسة ولم يسم لها مهرا ، إذ لو كانت ممسوسة فعلية المسمى ، أو مهر المثل . ولو كانت غير ممسوسة ولكن سمي لها فلها نصف المسمى ، فمنطوق الآية ينفي الوجوب في الصورة الأولى ، ومفهومها يقتضي الوجوب على الجملة في الأخيرتين . { ومتعوهن } عطف على مقدر أي فطلقوهن ومتعوهن ، والحكمة في إيجاب المتعة جبر إيحاش الطلاق ، وتقديرها مفوض إلى رأي الحاكم ويؤيده قوله : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } أي على كل من الذي له سعة ، والمقتر الضيق الحال ما يطيقه ويليق به ، ويدل عليه قوله عليه السلام لأنصاري طلق امرأته المفوضة قبل أن يمسها " متعها بقلنسوتك " . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : هي درع وملحفة وخمار على حسب الحال إلا أن يقل مهر مثلها عن ذلك فلها نصف مهر المثل ، ومفهوم الآية يقتضي تخصيص إيجاب المتعة للمفوضة التي لم يمسها الزوج ، وألحق بها الشافعي رحمه الله تعالى في أحد قوليه الممسوسة المفوضة وغيرها قياسا ، وهو مقدم على المفهوم . وقرأ حمزة والكسائي وحفص وابن ذكوان بفتح الدال { متاعا } تمتيعا . { بالمعروف } بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروءة . { حقا } صفة لمتاعا ، أو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا . { على المحسنين } الذين يحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى الامتثال ، أو إلى المطلقات بالتمتيع وسماهم محسنين قبل الفعل للمشارفة ترغيبا وتحريضا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ( 236 ) ( {[2269]} )

هذا ابتداء إخبار برفع الجناح عن المطلق قبل البناء والجماع ، فرض مهراً أو لم يفرض ، ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق( {[2270]} ) وقضاء الشهوة وأمر بالتزوج طلباً للعصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءاً من هذا المكروه ، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن . وقال قوم : { لا جناح عليكم } معناه لا طلب بجميع المهر بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها والمتعة لمن لم يفرض لها ، وقال قوم : { لا جناح عليكم } معناه في أن ترسلوا الطلاق في وقت حيض بخلاف المدخول بها ، وقال مكي : «المعنى لا جناح عليكم في الطلاق قبل البناء لأنه قد يقع الجناح على المطلق بعد أن كان قاصداً للذوق ، وذلك مأمون قبل المسيس » ، والخطاب بالآية لجميع الناس ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «تمسوهن » بغير ألف ، وقرأ الكسائي وحمزة «تُماسوهن » بألف وضم التاء ، وهذه القراءة الأخيرة تعطي المس من الزوجين ، والقراءة الأولى تقتضي ذلك بالمعنى المفهوم من المس( {[2271]} ) ، ورجحها أبو علي لأن أفعال هذا المعنى جاءت ثلاثية على هذا الوزن : نكح وسفد وقرع وذقط وضرب الفحل ، والقراءتان( {[2272]} ) حسنتان ، و { تفرضوا } عطف على «تمسوا » ، وفرض المهر إثباته وتحديده ، وهذه الآية تعطي جواز العقد على التفويض لأنه نكاح مقرر في الآية مبين حكم الطلاق فيه ، قاله مالك في المدونة ، والفريضة الصداق ، وقوله تعالى : { ومتعوهن } معناه أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن ، وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم على الوجوب ، وحمله أبو عبيدة ومالك بن أنس وأصحابه وشريح وغيرهم على الندب ، ثم اختلفوا في الضمير المتصل ب «متعوا » من المراد به من النساء ؟ ، فقال ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد والحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي : المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض ، ومندوبة في غيرها( {[2273]} ) ، وقال مالك وأصحابه : المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها إلا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها ، فحسبها ما فرض لها ولا متعة لها( {[2274]} ) ، وقال أبو ثور : لها المتعة ولكل مطلقة ، وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة( {[2275]} ) ، فقال الزهري : يقضي لها بها القاضي ، وقال جمهور الناس : لا يقضي بها ، قاله شريح ، ويقال للزوج : إن كنت من المتقين والمحسنين فمتع ولم يقض عليه .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا( {[2276]} ) مع إطلاق لفظ الوجوب عند بعضهم ، وأما ربط مذهب مالك فقال ابن شعبان : المتعة بإزاء غم الطلاق ولذلك ليس للمختلعة والمبارئة والملاعنة متعة( {[2277]} ) ، وقال الترمذي وعطاء والنخعي : للمختلعة متعة ، وقال أصحاب الرأي : للملاعنة متعة ، قال ابن القاسم : ولا متعة في نكاح مفسوخ( {[2278]} ) ، قال ابن المواز : ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد مثل ملك أحد الزوجين صاحبه ، وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة لها المتعة بخلاف الأمة تعتق تحت العبد فتختار ، فهذه لا متعة لها ، وأما الحرة تخير أو تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذاك كله فلها المتعة ، لأن الزوج سبب الفراق ، وعليها هي غضاضة في أن لا تختار نفسها .

واختلف الناس في مقدار المتعة ، فقال ابن عمر : «أدنى ما يجزىء في المتعة ثلاثون درهماً أو شبهها » ، وروي أن ابن محيريز( {[2279]} ) كان يقضي على صاحب الديوان بثلاثة دنانير( {[2280]} ) ، وقال ابن عباس : «أرفع المتعة خادم ثم كسوة ثم نفقة » ، وقال عطاء : «من أوسط ذلك درع وخمار وملحفة » ، وقال الحسن : «يمتع كل على قدره : هذا بخادم ، وهذا بأثواب ، وهذا بثوب وهذا بنفقة » ، وكذلك يقول مالك بن أنس( {[2281]} ) ، ومتع الحسن بن علي بعشرين ألفاً وزقاق من عسل ، ومتع شريح بخمسمائة درهم ، وقالت أم حميد بن عبد الرحمن بن عوف : «كأني انظر إلى خادم سوداء متع بها عبد الرحمن بن عوف زوجه أم أبي سلمة » ، وقال أصحاب الرأي وغيرهم : متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف مهر مثلها لا غير( {[2282]} ) ، وقوله تعالى { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } دليل على رفض التحديد ، وقرأ الجمهور «على الموْسِع » بسكون الواو وكسر السين بمعنى الذي أوسع أي اتسعت حاله ، وقرأ أبو حيوة : «الموسَّع » بفتح الواو وشد السين وفتحها ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «قدْره » بسكون الدال في الموضعين ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «قدَره » بفتح الدال فيهما ، قال أبو الحسن الأخفش وغيره : هما بمعنى لغتان فصيحتان ، وكذلك حتى أبو زيد ، تقول : خذ قدر كذا وقدر كذا بمعنى ، ويقرأ في كتاب الله { فسالت أودية بقدرها }( {[2283]} ) [ الرعد : 17 ] وقدرها ، وقال : { وما قدروا الله حق قدره }( {[2284]} ) [ الأنعام : 91 ] ، ولو حركت الدال لكان جائزاً ، و { المقتر } : المقل القليل المال ، و { متاعاً } نصب على المصدر وقوله تعالى { بالمعروف } أي لا حمل فيه ولا تكلف على أحد الجانبين ، فهو تأكيد لمعنى قوله { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } ، ثم أكد تعالى الندب بقوله { حقاً على المحسنين } أي في هذه النازلة من التمتيع هم محسنون ، ومن قال بأن المتعة واجبة( {[2285]} ) قال : هذا تأكيد الوجوب ، أي على المحسنين بالإيمان والإسلام ، فليس لأحد أن يقول لست بمحسن على هذا التأويل ، و { حقاً } صفة لقوله { متاعاً } ، أو نصب على المصدر وذلك أدخل في التأكيد للأمر( {[2286]} ) .


[2269]:- الظاهر أن (أو) بمعنى (الواو) – أي: ما لم تمسّوهن ولا تفرضوا لهن، ووضع (أو) موضع (الواو (كثير في القرآن كقوله تعالى: [ولا تطع منهم آثما أو كفورا] أي: وكفورا، وكقوله تعالى: [وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياناً أو هم قائلون] أي: وهم قائلون، ويدل على هذا أنه تعالى عطف المفروض لها بقوله: [وإن طلّقتموهن من قبل أن تمِسّوهن وقد فرضتم لهنّ فريضة] الآية، فلو كانت آية: [لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء] لبيان طلاق المفروض لها قبل المس لما كرره. والحاصل أن المطلقة بعد الدخول والفرض لها المفروض كاملا – والمطلقة قبل الدخول مع الفرض لها نصف المفروض، والمطلقة قبل الدخول والفرض لها المتعة لأنها لا شيء لها، وذلك لجبر خاطرها وتطييب نفسها، وهذا التفصيل له حظ من النظر الصحيح، والله أعلم.
[2270]:- جاء ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات)، رواه ابن جرير بسنده عن شهر بن حوشب الشامي، وروى الطبراني عن أبي موسى مرفوعاً: (لا أحب الذواقين من الرجال ولا الذواقات من النساء)، وروى الديلمي عن أبي هريرة: (تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات).
[2271]:- يقال: مَسَّ امرأته وماسَّها كما يقال: لمَسها ولامسها، إلا أن ماسَّ يدل على وقوع المَس من الجانبين بمادته وصيغته، ومسَّ يدل على ذلك بمضمونه ومفهومه.
[2272]:- يعني أنه لا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، وهما متفقتان في الحكم والمفهوم والقراءة بكل منهما.
[2273]:- أي غير المطلقة قبل البناء والفرض.
[2274]:- لقوله تعالى: [وإن طلّقتموهن من قبل أن تمسّوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم].
[2275]:- لقوله تعالى: [لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسّوهن أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتِّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المُقْتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين]. واختلف أيحكم بالمتعة أم لا ؟ وسبب ذلك الاختلاف في فهم الأمر في الآية أهو للإيجاب أم للندب ؟ ويروى عن الشعبي أنه سئل عن المتعة: أيحبس فيها ؟ فقرأ: [على الموسع قدره وعلى المقتر قدره] قال: والله ما رأيت أحدا حُبس فيها، والله لو كانت واجبة لحبس فيها القضاة، ويدل على ذلك قوله تعالى: [حقا على المحسنين] [حقا على المتقين] إذ لو كانت واجبة لوقع الحكم بها على غير المتقين، وأكثر الناس لا يتقون.
[2276]:- يعني أن هذا الإجماع وقع مع إطلاق بعضهم لفظ الوجوب في كل مطلقة، وأما مالك رحمه الله فقد ربط المتعة بإزاء غم الطلاق، ولذلك استثنى المرأة التي تتسبب في الطلاق.
[2277]:- أي لا قبل البناء ولا بعده لأنها هي التي اختارت الطلاق.
[2278]:- أي لقوله تعالى: [وللمطلقات متاع بالمعروف] ولقوله تعالى: [ومتّعوهن] بعد ذكر الطلاق، وعليه فالمتعة في الطلاق لا في الفسخ.
[2279]:- هو عبد الله بن محيريز أبو محيريز المسكي التابعي المتوفى كما قيل في خلافة عمر ابن عبد العزيز.
[2280]:- هو من سجل اسمه فيه ليأخذ عطاءه سواء أكان من الجيش أم من غيره.
[2281]:- هذا أعدل الأقوال لقوله تعالى: [على الموسِع قدره وعلى المقْتِر قدره]، ولكل زمن مستواه المادي وكذلك لكل مجتمع.
[2282]:- يمنع هذا قوله تعالى: [على الموسع قدره وعلى المقتر قدره] فإن هذا النص يرفض التحديد، والله أعلم.
[2283]:- من الآية (17) من سورة (الرعد).
[2284]:- من الآية (67) من سورة (الزمر).
[2285]:- رجح الإيجاب الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله، وقد اعترضه القاضي أبو محمد رحمه الله عند قوله تعالى: [وللمطلّقات متاع بالمعروف حقّا على المتّقين] انظره.
[2286]:- أي متاعاً ثابتاً على المحسنين، أو: حقّ عليهم حقا على أنه مصدر منصوب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

استئناف تشريع لبيان حكم ما يترتب على الطلاق من دفع المهر ، كله أو بعضه ، وسقوطه وحكم المتعة مع إفادة إباحة الطلاق قبل المسيس . فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، ومناسبة موقعها لا تخفى ، فإنه لما جرى الكلام في الآيات السابقة على الطلاق الذي تجب فيه العدة ، وهو طلاق المدخول بهن ، عرج هنا على الطلاق الواقع قبل الدخول ، وهو الذي في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية ، في سورة الأحزاب ( 49 ) ، وذكر مع ذلك هنا تنصيف المهر والعفو عنه .

وحقيقة الجناح الإثم كما تقدم في قوله : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } [ البقرة : 158 ] . ولا يعرف إطلاق الجناح على غير معنى الإثم ، ولذلك حمله جمهور المفسرين هنا على نفي الإثم في الطلاق ، ووقع في « الكشاف » تفسير الجناح بالتبعة فقال : { لا جناح عليكم لا تبعة عليكم من إيجاب المهر } ثم قال : والدليل على أن الجناح تبعة المهر ، قوله : { وإن طلقتموهن } إلى قوله : { فنصف ما فرضتم } فقوله : { فنصف ما فرضتم } إثبات للجناح المنفي ثمة » وقال ابن عطية وقال قوم : لا جناح عليكم معناه لا طلب بجميع المهر فعلمنا أن صاحب « الكشاف » مسبوق بهذا التأويل ، وهو لم يذكر في « الأساس » هذا المعنى للجناح حقيقة ولا مجازاً ، فإنما تأوله من تأوله تفسيراً لمعنى الكلام كله لا لكلمة { جناح } وفيه بعد ، ومحمله على أن الجناح كناية بعيدة عن التبعة بدفع المهر . والوجه ما حمل عليه الجمهور لفظ الجناح ، وهو معناه المتعارف ، وفي « تفسير ابن عطية » عن مكي بن أبي طالب « لا جناح عليكم في الطلاق قبل البناء ؛ لأنه قد يقع الجناح على المطلق بعد أن كان قاصداً للذوق ، وذلك مأمون قبل المسيس » وقريب منه في الطيبي عن الراغب أي في « تفسيره » .

فالمقصود من الآية تفصيل أحوال دفع المهر أو بعضه أو سقوطه ، وكأن قوله : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } إلى آخره تمهيد لذلك وإدماج لإباحة الطلاق قبل المسيس لأنه بعيد عن قصد التذوق ، وأبعد من الطلاق بعد المسيس عن إثارة البغضاء بين الرجل والمرأة ، فكان أولى أنواع الطلاق بحكم الإباحة الطلاق قبل البناء .

قال ابن عطية وغيره : إنه لكثرة ما حض الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمنين على أن يقصدوا من التزوج دوام المعاشرة ، وكان ينهى عن فعل الذواقين الذين يكثرون تزوج النساء وتبديلهن ، ويكثر النهي عن الطلاق حتى قد يظن محرماً ، فأبانت الآية إباحته بنفي الجناح بمعنى الوزر .

والنساء : الأزواج ، والتعريف فيه تعريف الجنس ، فهو في سياق النفي للعموم ، أي لا جناح في تطليقكم الأزواج ، و ( ما ) ظرفية مصدرية ، والمسيس هنا كناية عن قربان المرأة .

و ( أو ) في قوله : { أو تفرضوا لهن فريضة } عاطفة على { تمسوهن } المنفي ، و ( أو ) إذا وقعت في سياق النفي تفيد مفاد واو العطف فتدل على انتفاء المعطوف والمعطوق عليه معاً ، ولا تفيد المفاد الذي تفيده في الإثبات ، وهو كون الحكم لأحد المتعاطفين ، نبه على ذلك الشيخ ابن الحاجب في « أماليه » وصرح به التفتازاني في « شرح الكشاف » ، وقال الطيبي : إنه يؤخذ من كلام الراغب ، وهو التحقيق ؛ لأن مفاد « أو » في الإثبات نظير مفاد النكرة وهو الفرد المبهم ، فإذا دخل النفي استلزم نفي الأمرين جميعاً ، ولهذا كان المراد في قوله تعالى : { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } [ الإنسان : 24 ] النهي عن طاعة كليهما ، لا عن طاعة أحدهما دون الآخر ، وعلى هذا انبنت المسألة الأصولية وهي : هل وقع في اللغة ما يدل على تحريم واحد لا بعينه ، بناء على أن ذلك لا يكون إلا بحرف أو ، وأن أو إذا وقعت في سياق النهي كانت كالتي تقع في سياق النفي .

وجعل صاحب « الكشاف » ( أو ) في قوله : { أو تفرضوا لهن فريضة } بمعنى إلا أو حتى ، وهي التي ينتصب المضارع بعدها بأن واجبة الإضمار ، بناء على إمكانه هنا وعلى أنه أبعد عن الخفاء في دلالة أو العاطفة في سياق النفي ، على انتفاء كلا المتعاطفين ؛ إذ قد يتوهم أنها لنفي أحدهما كشأنها في الإثبات ، وبناء على أنه أنسب بقوله تعالى بعد ذلك { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة } حيث اقتصر في التفصيل على أحد الأمرين : وهو الطلاق قبل المسيس مع فرض الصداق ، ولم يذكر حكم الطلاق قبل المسيس أو بعده ، وقبل فرض الصداق ، فدل بذلك على أن الصورة لم تدخل في التقسيم السابق ، وذلك أنسب بأن تكون للاستثناء أو الغاية ، لا للعطف ، ولا يتوهم أن صاحب الكشاف أهمل تقدير العطف لعدم استقامته ، بل لأن غيره هنا أوضح وأنسب ، يعني والمراد قد ظهر من الآية ظهوراً لا يدع لتوهم قصد نفي أحد الأمرين خطوراً بالأذهان ، ولهذا استدركه البيضاوي فجوز تقديرها عاطفة في هذه الآية .

وقد أفادت الآية حكماً بمنطوقها وهو أن المطلقة قبل البناء إذا لم يسم لها مهر لا تستحق شيئاً من المال ، وهذا مجمع عليه فيما حكاه ابن العربي ، وحكى القرطبي عن حماد بن سليمان أن لها نصف صداق أمثالها ، والجمهور على خلافه وأن ليس لها إلا المتعة ، ثم اختلفوا في وجوبها كما سيأتي . وهذا الحكم دلنا على أن الشريعة قد اعتبرت النكاح عقداً لازماً بالقول ، واعتبرت المهر الذي هو من متمماته غير لازم بمجرد صيغة النكاح ، بل يلزم بواحد من أمرين إما بصيغة تخصه ، وهي تعيين مقداره بالقول ، وهي المعبر عنها في الفقه بنكاح التسمية ، وإما بالفعل وهو الشروع في اجتناء المنفعة المقصودة ابتداء من النكاح وهي المسيس ، فالمهر إذن من توابع العقود التي لا تثبت بمجرد ثبوت متبوعها ، بل تحتاج إلى موجب آخر كالحوز في عقود التبرعات ، وفيه نظر ، والنفس لقول حماد بن سليمان أميل .

والآية دلت على مشروعية أصل الطلاق ، لما أشعرت بنفي الجناح عن الطلاق قبل المسيس وحيث أشعرت بإباحة بعض أنواعه : بالتصدي لبيان أحكامها ، ولما لم يتقدم لنا موضع هو أنسب بذكر مشروعية الطلاق من هذه الآية ، فنحن نبسط القول في ذلك : إن القانون العام لانتظام المعاشرة هو الوفاق في الطبائع والأخلاق والأهواء والأميال ، وقد وجدنا المعاشرة نوعين : أولهما معاشرة حاصلة بحكم الضرورة ، وهي معاشرة النسب ، المختلفة في القوة والضعف ، بحسب شدة قرب النسب وبعده كمعاشرة الآباء مع الأبناء ، والإخوة بعضهم مع بعض ، وأبناء العم والعشيرة ، واختلافها في القوة والضعف يستتبع اختلافها في استغراق الأزمان ، فنجد في قصر زمن المعاشرة ، عند ضعف الآصرة ، ما فيه دافع للسآمة والتخالف الناشئين عما يتطرق إلى المتعاشرين من تنافر في الأهواء والأميال ، وقد جعل الله في مقدار قرب النسب تأثيراً في مقدار الملاءمة ؛ لأنه بمقدار قرب النسيب ، يكون التئام الذات مع الأخرى أقوى وأتم ، وتكون المحاكة والممارسة والتقارب أطول ، فنشأ من السببين الجبلي ، والاصطحابي ، ما يقوي اتحاد النفوس في الأهواء والأميال بحكم الجبلة ، وحكم التعود والإلف ، وهكذا يذهب ذلك السببان يتباعدان بمقدار ما يتباعد النسيب .

النوع الثاني : معاشرة بحكم الاختيار وهي معاشرة الصحبة والخلة والحاجة والمعاونة ، وما هي إلا معاشرة مؤقتة تطول أو تقصر ، وتستمر أو تغب ، بحسب قوة الداعي وضعفه ، وبحسب استطاعة الوفاء بحقوق تلك المعاشرة ، والتقصير في ذلك ، والتخلص من هذا النوع ممكن إذا لم تتحد الطباع . ومعاشرة الزوجين في التنويع ، هي من النوع الثاني ، وفي الآثار محتاجة إلى آثار النوع الأول ، وينقصها من النوع الأول سببه الجبلي لأن الزوجين يكثر ألا يكونا قريبين وسببه الاصطحابي ، في أول عقد التزوج حتى تطول المعاشرة ويكتسب كل من الآخر خلقه ، إلا أن الله تعالى جعل في رغبة الرجل في المرأة إلى حد أن خطبها ، وفي ميله إلى التي يراها ، مذ انتسبت به واقترنت ، وفي نيته معاشرتها معاشرة طيبة ، وفي مقابلة المرأة الرجل بمثل ذلك ما يغرز في نفس الزوجين نوايا وخواطر شريفة وثقة بالخير ، تقوم مقام السبب الجبلي ، ثم تعقبها معاشرة وإلف تكمل ما يقوم مقام السبب الاصطحابي ، وقد أشار الله تعالى إلى هذا السر النفساني الجليل ، بقوله : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } [ الروم : 21 ] .

وقد يعرض من تنافر الأخلاق وتجافيها ما لا يطمع معه في تكوين هذين السببين أو أحدهما ، فاحتيج إلى وضع قانون للتخلص من هذه الصحبة ، لئلا تنقلب سبب شقاق وعداوة فالتخلص قد يكون مرغوباً لكلا الزوجين ، وهذا لا إشكال فيه ، وقد يكون مرغوباً لأحدهما ويمتنع منه الآخر ، فلزم ترجيح أحد الجانبين وهو جانب الزوج لأن رغبته في المرأة أشد ، كيف وهو الذي سعى إليها ورغب في الاقتران بها ؛ ولأن العقل في نوعه أشد ، والنظر منه في العواقب أسد ، ولا أشد احتمالاً لأذى وصبراً على سوء خلق من المرأة ، فجعل الشرع التخلص من هذه الورطة بيد الزوج ، وهذا التخلص هو المسمى : بالطلاق ، فقد يعمد إليه الرجل بعد لأي ، وقد تسأله المرأة من الرجل ، وكان العرب في الجاهلية تسأل المرأة الرجل الطلاق فيطلقها ، قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يذكر زوجتيه :

تلك عِرساي تنطقان على عم *** د إلى اليوم قولَ زور وهَتْر

سَالَتَانِي الطلاق أَن رأَتامَا *** لي قليلاً قد جئتماني بنُكْـــر

وقال عبيد بن الأبرصْ :

تلكَ عِرسي غضبى تريد زيالي *** أَلبَيْن تري ، ، د أم لِـــدَلال

إن يكن طِبُّكِ الفــراقَ فلا أح *** فِلُ أن تعطفي صُدور الجِمال

وجعل الشرع للحاكم إذا أبى الزوج الفراق ولحق الزوجة الضرُّ من عشرته ، بعد ثبوت موجباته ، أن يطلقها عليه . فالطلاق فسخ لعقدة النكاح بمنزلة الإقالة في البيع ، إلا أنه فسخ لم يشترط فيه رضا كلا المتعاقدين بل اكتُفي برضا واحد : وهو الزوج ، تسهيلاً للفراق عند الاضطرار إليه ، ومقتضى هذا الحكم أن يكون الطلاق قبل البناء بالمرأة ممنوعاً ؛ إذ لم تقع تجربة الأخلاق ، لكن لما كان الداعي إلى الطلاق قبل البناء لا يكون إلا لسبب عظيم لأن أفعال العقلاء تصان عن العبث ، كيف يعمد راغب في امرأة ، باذل لها ماله ونفسه إلى طلاقها قبل التعرف بها ، لولا أن قد علم من شأنها ما أزال رجاءه في معاشرتها ، فكان التخلص وقتئذ قبل التعارف ، أسهل منه بعد التعارف .

وقرأ الجمهور ( ما لم تمسوهن ) بفتح المثناة الفوقية مضارع مس المجرد ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف ، ( تماسوهن ) بضم المثناة الفوقية وبألف بعد الميم مضارع ماس ؛ لأن كلا الزوجين يمس الآخر .

وقوله : { ومتعوهن على الموسع قدره } الآية عطف على قوله : { لا جناح عليكم } عطف التشريع على التشريع ، على أن الاتحاد بالإنشائية والخبرية غير شرط عند المحققين ، والضمير عائد إلى النساء المعمول للفعل المقيد بالظرف وهو : { ما لم تَمسوهن أو تفرضوا } ، كما هو الظاهر ، أي متعوا المطلقات قبل المسيس ، وقبل الفرض ، ولا أحسب أحداً يجعل معاد الضمير على غير ما ذكرنا ، وأما ما يوجد من الخلاف بين العلماء في حكم المتعة للمطلقة المدخول بها ، فذلك لأدلة أخرى غير هذه الآية .

والأمر في قوله : { ومتعوهن } ظاهره الوجوب وهو قول علي وابن عمر والحسن والزهريّ وابن جبير وقتادة والضحاك وإسحاق بن راهويه ، وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد ؛ لأن أصل الصِّيغة للوجوب مع قرينة قوله تعالى : { حقا على المحسنين } وقوله بعد ذلك ، في الآية الآتية : { حقا على المتقين } لأن كلمة { حقا } تؤكد الوجوب ، والمراد بالمحسنين عند هؤلاء المؤمنون ، فالمحسن بمعنى المحسن إلى نفسه بإبعادها عن الكفر ، وهؤلاء جعلوا المتعة للمطلقة غير المدخول بها وغير المسمى لها مهر واجبة ، وهو الأرجح لئلا يكون عقد نكاحها خلياً عن عوض المهر .

وجعل جماعة الأمر هنا للندب لقوله بعدُ : { حقا على المحسنين } فإنه قرينة على صرف الأمر إلى أحد ما يقتضِيه ، وهو ندب خاص مؤكد للندب العام في معنى الإحسان ، وهو قول مالك وشُريح ، فجعلها حقاً على المحسنين ، ولو كانت واجبة لجعلها حقاً على جميع الناس ، ومفهوم جعلها حقاً على المحسنين أنها ليست حقاً على جميع الناس ، وكذلك قوله { المتقين } في الآية الآتية ، لأن المتقي هو كثير الامتثال ، على أننا لو حملنا المتقين على كل مؤمن لكان بين الآيتين تعارض المفهوم والعموم ، فإن المفهوم الخاص يخصص العموم .

وفي « تفسير الأبّي » عن ابن عرفة : « قال محمد بن مسلمة من أصحاب مالك : المتعة واجبة يقضى بها إذ لا يأبى أن يكون من المحسنين ولا من المتقين إلا رجل سوء ، ثم ذكر ابن عرفة عن ابن عبد السلام عن ابن حبيب أنه قال بتقديم العموم على المفهوم عند التعارض ، وأنه الأصح عند الأصوليين ، قلت : فيه نظر ، فإن القائل بالمفهوم لا بد أن يخصص بخصوصه عموم العام إذا تعارضا ، على أن لمذهببِ مالك أن المتعة عطية ومؤاساة ، والمؤاساة في مرتبة التحسيني ، فلا تبلغ مبلغ الوجوب ، ولأنها مال بذل في غير عوض ، فيرجع إلى التبرعات ، والتبرعات مندوبة لا واجبة ، وقرينة ذلك قوله تعالى : { حقا على المحسنين } فإن فيه إيماء إلى أن ذلك من الإحسان لا من الحقوق ، على أنه قد نفى الله الجناح عن المطلق ثم أثبت المتعة ، فلو كانت المتعة واجبة لانتقض نفي الجناح ، إلا أن يقال : إن الجناح نفي لأن المهر شيء معين ، قد يجحف بالمطلق بخلاف المتعة ، فإنها على حسب وسعه ولذلك نفى مالك ندبَ المتعة للتي طلقت قبل البناء وقد سمَّى لها مهراً ، قال : فحسبها ما فرض لها أي لأن الله قصَرها على ذلك ، رفقاً بالمطلق ، أي فلا تندب لها ندب خاصاً ، بأمر القرآن . وقد قال مالك : بأن المطلقة المدخول بها يستحب تمتيعها ، أي بقاعدة الإحسان الأعم ولما مضى من عمل السلف .

وقوله : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } الموسع من أوسع إذا صار ذا سعة ، والمقتر من أقتر إذا صار ذا قَتر وهو ضيق العيش ، والقدر بسكون الدال وبفتحها ما به تعيين ذات الشيء أو حاله ، فيطلق على ما يساوي الشيء من الأجرام ، ويطلق على ما يساويه في القيمة ، والمراد به هنا الحال التي يقدر بها المرء في مراتب الناس في الثروة ، وهو الطبقة من القوم ، والطاقة من المال ، وقرأه الجمهور بسكون الدال ، وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر بفتح الدال .