قوله تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ) .
تتضمن هذه الآية جملة أحكام فقهية تتعلق بالمطلقات وما لهن من حق الفريضة ( المهر ) والمتعة . ويتحدد ذلك كله في ضوء الحال التي عليها المرأة من الطلاق قبل المسيس أو بعده ، ومن فرض المهر لها أو عدمه .
ويمكن القول إن المطلقات في هذا الشأن أربع :
الأولى : مطلقة مدخول بها ومفروض لها المهر ، فهذه لها المهر كله بغير خلاف ، وليس للزوج المطلق أن يسترد من مهرها المسمى شيئا حتى وإن كان الدخول لأدنى فترة من الزمن .
الثانية : مطلقة غير مفروض لها المهر ، ولا مدخول بها ، فإن لها المتعة وهي تعويض المرأة بشيء من المال تعطاه بحسب الحال من اليسار أو الإعسار الذي عليه الرجل .
الثالثة : مطلقة مفروض لها المهر ، لكنها غير مدخول بها ، فإن لها نصف ما سمّي لها من صداق . وذلك جاء قوله في الآية : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) .
الرابعة : مطلقة مدخول بها لكنها غير مفروض لها المهر ، فإن لها مهر مثلما كاملا ؛ لقوله تعالى في آية أخرى : ( فما استمتعم به منهن فآتوهن أجورهن ) . حتى إن الأئمة الثلاثة أبا حنيفة ومالك ابن حنبل ذهبوا إلى وجوب الصداق لها كاملا بمجردة الخلوة وإن لم يقع مسيس ( جماع ) .
وقوله : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) أي لا حرج عليكم في طلاق نسائكم ما لم تمسوهن أي تجامعوهن . وما ، هنا شرطية ، أي إن لم تمسوهن أو تماسوهن ، وقيل : مصدرية ظرفية ، أي مدة عدم مسيسكم ، وقيل : اسم موصول ومعناه اللواتي ، فيكون المعنى : لا حرج ولا إثم عليكم إن طلّقتم النساء اللواتي لم تمسّوهن ( تجامعوهن ) ولم تسمّوا لهن صداقا ، وعليكم في هذه الحالة أن تعطوهن متاعا أو متعة ، وقد قدّرها بعضهم بالخادم يستأجره الرجل ، وقيل : أدنى المتعة ما كانت ثلاثة أثواب وأوسطها ما كان خمارا وجلبابا وثوبا ، وقيل غير ذلك . والمقصود بالمتعة أن يكون فيها التطيب لنفس المرأة المطلقة غير الممسوسة والتي لم يذكر لها صداق ، وأن يكون فيها كذلك التعويض عما أصابها من صدمة الفراق بما تستعين به على العيش بحسب الوضع الذي عليه الرجل ، وذلك هو المعنى لقوله تعالى : ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) والموسع هو ذو اليسار والسعة . وقدره أي وسعه . والمقتر هو المقلّ أو قليل المال . فكل منهما يؤتي المطلّقة غير المفروض لها الصداق وغير الممسوسة متاعا بحسب حاله من اليسار أو الإعسار كما ذكرنا آنفا .
أما المتعة من حيث الحكم الشرعي فهي موضع خلاف . فقد هب فريق من أهل العلم وفيهم عبد الله بن عمر ، وعلي بن أبي طالب ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم إلى أنها واجبة استنادا إلى ظاهر قوله تعالى : ( ومتعوهن ) وهو أمر يفيد الوجوب .
وذهب آخرون من العلماء إلى أن الأمر هنا للندب لا للوجوب استنادا إلى قوله : ( حقا على المحسنين ) ولم يقل على الجميع . والراجح عندي القول الأول ؛ لما بينّا من استناد إلى مقتضى الأمر في الآية .
وأما المراد بالنساء في قوله : ( ومتعوهن ) فقد قيل : إنهن المطلّقات قبل الدخول وقبل فرض الصداق لها ، فالمتعة لهن في هذه الحالة واجبة ، أما في حق غيرهن فهي مندوبة . وهو ما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر والحسن البصري والشافعي وأحمد والحنفية .
وذهب الإمام مالك وأصحابه إلى أن المتعة مندوب إليها في كل مطلقة سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول ، باستثناء المطلقة غير الممسوسة والتي فرض لها الصداق ، فإن لها نصفه ولا متعة لها ، وأما المطلقة غير المدخول بها والتي لم يفرض لها صداق ، فإنها لا شيء لها غير المتعة وهو ما أجمع عليه العلماء .
وقوله : ( متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) ( متاعا ) مفعول مطلق منصوب لفعل محذوف تقديره متّعوهن . والمعروف أي ما تعورف عليه وكان وسطا وهو الأمر يوافق ما عليه الشرع من دعوة للاقتصاد .
وقوله : ( حقا ) صفة للمفعول المطلق ( متاعا ) وهو ما استدل به العلماء على وجوب المتعة . نقول : حققت عليه الأمر أو أحققته أي أوجبته عليه إيجابا .
وثمة مسألة . وهي إذا مات الرجل قبل أن يفرض لزوجته صداقا أو يدخل بها . فهي بذلك متوفى عنها زوجها دون مسيس أو مهر مسمّى . فقد ذهب العلماء من أصحاب الرسول ( ص ) إلى أن هذه المرأة لها مهر المثل وعليها العدة ولها الميراث . وهو ما ذهب إليه أحمد وإسحاق والثوري . والدليل على ذلك عندهم ما ذكره الترمذي عن ابن مسعود : أنه سئل عن رجل تزوج امرأة لم يفرض لها ولم يدخل بها حتى مات . فقال ابن مسعود : لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله ( ص ) في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت ، ففرح بها ابن مسعود .
وذهب آخرون من أصحاب رسول الله ( ص ) منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر إلى أنه إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا حتى مات ، فإن لها الميراث وعليها العدّة ولا صداق لها . وهو ما ذهب إليه الشافعي أيضا ، على أن مدار الاستدلال في هذه المسألة ينبغي أن يكون موقوفا على صحة خبر بروع وعلى تثبيته ، فهو إن صح فلا مساغ عندئذ إلا الأخذ بالقياس كالذي ذهب إليه الآخرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.