الحكم الخامس عشر : حكم المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر وذلك قوله عز من قائل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } واعلم أن عقد النكاح يوجب بدلاً على كل حال ، وذلك البدل إما أن يكون مذكوراً أو غير مذكور . فإن كان مذكوراً فإن حصل الدخول استقر كله وعدتها ثلاثة قروء كما سبق ، وإن لم يحصل الدخول سقط نصف المذكور بالطلاق كما يجيء في الآية التالية ، وإن لم يكن البدل مذكوراً فإن لم يحصل الدخول فحكمها في هذه الآية وهو أن لا مهر لها ويجب لها المتعة ، وإن حصل الدخول فحكمها غير مذكور في هذه الآيات إلا أنهم اتفقوا على أن الواجب فيها مهر المثل قياساً على الموطوءة بالشبهة ، بل أولى لوجود النكاح الصحيح . وقد يستنبط حكمها من قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } [ النساء : 24 ] ويحتمل أن يقال : هذه الآية تدل على أنه لا مهر للتي لا تكون ممسوسة ولا مفروضاً لها ، فيعرف من ذلك وجود المهر للممسوسة غير المفروض لها وللمفروض لها غير الممسوسة . وقد سلف حكم الممسوسة المفروض لها فتبين اشتمال القرآن على أحكام جميع الأقسام . فإن قيل : ظاهر الآية مشعر بأن نفي الجناح على المطلق مشروط بعدم المسيس وليس كذلك ، فإنه لا جناح عليه أيضاً بعد المسيس . قلنا : لعل الآية وردت لبيان إباحة الطلاق على الإطلاق ، وهذا الإطلاق لا يصح إلا قبل المسيس إذ بعده يحتاج إلى أن يكون الطلاق في طهر لم يجامعها فيه ، أو لعل " ما " بمعنى " التي " لا للمدة . والتقدير : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن . ولا يلزم منه وجود الجناح في تطليق غيرهن ، أو المراد من الجناح في الآية لزوم المهر أي لا مهر عليكم ولا تبعة في تطليقهن ، فإن الجناح في اللغة الثقل يقال : جنحت السفينة إذا مالت بثقلها . ومما يؤكد ذلك أنه نفي الجناح ممدوداً إلى غاية هي إما المسيس أو الفرض . والجناح الذي ثبت عند أحد هذين الأمرين هو لزوم المهر فحصل القطع بأن الجناح المنفي في أول الآية هو لزوم المهر . وأيضاً إن تطليق النساء قبل المسيس إما أن يكون قبل تقدير المهر أو بعده . وفي القسم الثاني أوجب نصف المفروض كما يجيء فيجب أن يكون المنفي في القسم الأول مقابل المثبت في الثاني . واتفقوا على أن المراد بالمسيس أو المماسة في الآية الجماع ، ولا يخفى حسن موقع هذه الكناية ، وفيه تأديب للعباد في اختيار أحسن الألفاظ للتخاطب والتفاهم . والفرض في اللغة التقدير أي تقدروا مقدراً من المهر . ومعنى " أو " ههنا أن رفع الجناح منوط بعدم المسيس ، أو بعدم الفرض على سبيل منع الخلوة فقط ، ولهذا صح اجتماعهما في هذا الحكم . وقيل : إنها بمعنى الواو . وقيل : بمعنى " إلا أن " وقيل : بمعنى " حتى " والكل تعسف . ثم إنه تعالى لما بيّن أنها لا مهر لها قبل المسيس والتسمية ، ذكر أن لها المتعة فقال : { ومتعوهن } فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنها واجبة نظراً إلى الأمر ، وأنه للوجوب ظاهراً وهو قول شريح والشعبي والزهري . وعن مالك : ويروى عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة أنهم كانوا لا يرونها واجبة لأنه تعالى قال في آخر الآية : { حقاً على المحسنين } فجعلها من باب الإحسان . ورد بأن لفظ " على " منبئ عن الوجوب . وكذا قوله { حقاً } وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به انتفاعاً منقضياً ولهذا قيل : الدنيا متاع . ويسمى التلذذ تمتعاً لانقطاعه بسرعة . { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } أوسع الرجل إذا كان في سعة من ماله ، وأقتر ضده من القترة وهي الغبار ، فكأنه التصق بالأرض لضيق ذات يده . وقدره أي قدراً مكانه وطاقته فحذف المضاف ، أو قدره مقداره الذي يطيقه لأن ما يطيقه هو الذي يختص به . والقدر والقدر لغتان في جميع معانيهما ، وفي الآية دليل على أن تقدير المتعة مفوض إلى الاجتهاد كالنفقة التي أوجبها الله تعالى للزوجات وبيّن أن الموسع يخالف المقتر . قال الشافعي : المستحب على الموسع خادم ، وعلى المتوسط ثلاثون درهماً ، وعلى المقتر مقنعة . وعن ابن عباس أنه قال : أكثر المتعة خادم ، وأقلها مقنعة ، وأي قدر أدى جاز في جانبي الكثرة والقلة ، والنظر في اليسار والإعسار إلى العادة . وقال أبو حنيفة : المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل ، لأن حال المرأة التي سمي لها المهر أحسن من حال التي لم يسم لها . ثم لما لم يجب زيادة على نصف المسمى إذا طلقها قبل الدخول فهذه أولى . { متاعاً } تأكيد لمتعوهن أي تمتيعاً بالمعروف بالوجه الذي يحسن في الدين والمروءة ، وعلى قدر حال الزوج في الغنى والفقر ، وعلى ما يليق بالزوجة بحسب الشرف والوضاعة حق ذلك { حقاً على المحسنين } لأنهم الذين ينتفعون بهذا البيان ، أو من أراد أن يكون محسناً فهذا شأنه وطريقته ، أو على المحسنين إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.