غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

233

الحكم الخامس عشر : حكم المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر وذلك قوله عز من قائل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } واعلم أن عقد النكاح يوجب بدلاً على كل حال ، وذلك البدل إما أن يكون مذكوراً أو غير مذكور . فإن كان مذكوراً فإن حصل الدخول استقر كله وعدتها ثلاثة قروء كما سبق ، وإن لم يحصل الدخول سقط نصف المذكور بالطلاق كما يجيء في الآية التالية ، وإن لم يكن البدل مذكوراً فإن لم يحصل الدخول فحكمها في هذه الآية وهو أن لا مهر لها ويجب لها المتعة ، وإن حصل الدخول فحكمها غير مذكور في هذه الآيات إلا أنهم اتفقوا على أن الواجب فيها مهر المثل قياساً على الموطوءة بالشبهة ، بل أولى لوجود النكاح الصحيح . وقد يستنبط حكمها من قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } [ النساء : 24 ] ويحتمل أن يقال : هذه الآية تدل على أنه لا مهر للتي لا تكون ممسوسة ولا مفروضاً لها ، فيعرف من ذلك وجود المهر للممسوسة غير المفروض لها وللمفروض لها غير الممسوسة . وقد سلف حكم الممسوسة المفروض لها فتبين اشتمال القرآن على أحكام جميع الأقسام . فإن قيل : ظاهر الآية مشعر بأن نفي الجناح على المطلق مشروط بعدم المسيس وليس كذلك ، فإنه لا جناح عليه أيضاً بعد المسيس . قلنا : لعل الآية وردت لبيان إباحة الطلاق على الإطلاق ، وهذا الإطلاق لا يصح إلا قبل المسيس إذ بعده يحتاج إلى أن يكون الطلاق في طهر لم يجامعها فيه ، أو لعل " ما " بمعنى " التي " لا للمدة . والتقدير : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن . ولا يلزم منه وجود الجناح في تطليق غيرهن ، أو المراد من الجناح في الآية لزوم المهر أي لا مهر عليكم ولا تبعة في تطليقهن ، فإن الجناح في اللغة الثقل يقال : جنحت السفينة إذا مالت بثقلها . ومما يؤكد ذلك أنه نفي الجناح ممدوداً إلى غاية هي إما المسيس أو الفرض . والجناح الذي ثبت عند أحد هذين الأمرين هو لزوم المهر فحصل القطع بأن الجناح المنفي في أول الآية هو لزوم المهر . وأيضاً إن تطليق النساء قبل المسيس إما أن يكون قبل تقدير المهر أو بعده . وفي القسم الثاني أوجب نصف المفروض كما يجيء فيجب أن يكون المنفي في القسم الأول مقابل المثبت في الثاني . واتفقوا على أن المراد بالمسيس أو المماسة في الآية الجماع ، ولا يخفى حسن موقع هذه الكناية ، وفيه تأديب للعباد في اختيار أحسن الألفاظ للتخاطب والتفاهم . والفرض في اللغة التقدير أي تقدروا مقدراً من المهر . ومعنى " أو " ههنا أن رفع الجناح منوط بعدم المسيس ، أو بعدم الفرض على سبيل منع الخلوة فقط ، ولهذا صح اجتماعهما في هذا الحكم . وقيل : إنها بمعنى الواو . وقيل : بمعنى " إلا أن " وقيل : بمعنى " حتى " والكل تعسف . ثم إنه تعالى لما بيّن أنها لا مهر لها قبل المسيس والتسمية ، ذكر أن لها المتعة فقال : { ومتعوهن } فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنها واجبة نظراً إلى الأمر ، وأنه للوجوب ظاهراً وهو قول شريح والشعبي والزهري . وعن مالك : ويروى عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة أنهم كانوا لا يرونها واجبة لأنه تعالى قال في آخر الآية : { حقاً على المحسنين } فجعلها من باب الإحسان . ورد بأن لفظ " على " منبئ عن الوجوب . وكذا قوله { حقاً } وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به انتفاعاً منقضياً ولهذا قيل : الدنيا متاع . ويسمى التلذذ تمتعاً لانقطاعه بسرعة . { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } أوسع الرجل إذا كان في سعة من ماله ، وأقتر ضده من القترة وهي الغبار ، فكأنه التصق بالأرض لضيق ذات يده . وقدره أي قدراً مكانه وطاقته فحذف المضاف ، أو قدره مقداره الذي يطيقه لأن ما يطيقه هو الذي يختص به . والقدر والقدر لغتان في جميع معانيهما ، وفي الآية دليل على أن تقدير المتعة مفوض إلى الاجتهاد كالنفقة التي أوجبها الله تعالى للزوجات وبيّن أن الموسع يخالف المقتر . قال الشافعي : المستحب على الموسع خادم ، وعلى المتوسط ثلاثون درهماً ، وعلى المقتر مقنعة . وعن ابن عباس أنه قال : أكثر المتعة خادم ، وأقلها مقنعة ، وأي قدر أدى جاز في جانبي الكثرة والقلة ، والنظر في اليسار والإعسار إلى العادة . وقال أبو حنيفة : المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل ، لأن حال المرأة التي سمي لها المهر أحسن من حال التي لم يسم لها . ثم لما لم يجب زيادة على نصف المسمى إذا طلقها قبل الدخول فهذه أولى . { متاعاً } تأكيد لمتعوهن أي تمتيعاً بالمعروف بالوجه الذي يحسن في الدين والمروءة ، وعلى قدر حال الزوج في الغنى والفقر ، وعلى ما يليق بالزوجة بحسب الشرف والوضاعة حق ذلك { حقاً على المحسنين } لأنهم الذين ينتفعون بهذا البيان ، أو من أراد أن يكون محسناً فهذا شأنه وطريقته ، أو على المحسنين إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله تعالى .