تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (236)

الطلاق قبل الدخول

221

{ ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متعا بالمعروف حقا على المحسنين( 236 ) }

المفردات :

تمسوهن : المس هنا : الجماع ،

أو تفرضوا : أو هنا بمعنى الواو .

فريضة : المهر .

ومتعوهن : المتعة مقدار مالي تعطاه المطلقة قبل الدخول ، قصد به أن يكون تعويضا لها عما فاتها من زوجها وجبرا لما نالها من انكسار النفس .

الموسع : الغنى .

المقتر : الفقير .

قدره : طاقته .

المعنى الإجمالي :

ولا إثم عليكم أيها الأزواج ولا يحب عليكم المهر إذا طلقتم زوجاتكم قبل الدخول بهن ، وقبل أن تقدروا لهن مهرا ، ولكن أعطوهن عطية من المال يتمتعن بها لتخفيف آلام نفوسهن ، ولتكن عن رضا وطيب خاطر ، وليدفعها الغنى بقدر وسعه ، والفقير بقدر حاله ، وهذه العطية من أعمال البر يلتزمها ذوو المروءات وأهل الخير والإحسان .

التفسير :

{ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تلمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة . . . }

قال القرطبي : " قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء . . . } هذا أيضا من أحكام المطلقات ، وهو ابتداء إخبار ، برفع الحرج عن المطلق قبل البناء والجماع ، أو لم يفرض ، ولما نهي رسول اله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق ، وقضاء الشهوة ، وأمر بالتزوج لطلب العصمة والتماس ثواب الله ، وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه ، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك ، إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن " ( 284 ) .

لقد أثر القرآن الكريم والهدى النبوي أحسن الأثر في نفوس المسلمين وتحرج بعضهم طلاق المرأة قبل الدخول بها ، فنزل هدى السماء يبيح للرجل طلاق المرأة قبل الدخول بها ، إذ تبين له ضرورة ذلك فإنها الحياة الزوجية قبل الدخول أخف وأيسر من إنهائها بعد الدخول .

ثم حثت الآية على المكارمة ، وأوجبت على الرجل أن يمنع مطلقته عطية حسبما يستطيع ، كنوع من أنواع التعويض فقد علقت آمالها عليه ، وحبست نفسها عن الزواج من أجله ، وفي هذه المتعة لون من ألوان الرد والمعذرة .

{ ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره . . . }

ومتعوا المطلقات عندما يجتمع لهن أمران ، عدم الدخول بهن وانتقاء تقدير مهر لهن ، على الغنى ما يقدر عليه وعلى الفقير ما يقدر عليه .

وهذه المتعة واجبة عند كثير من فقهاء السلف ، ومنهم علي ابن أبي طالب وابن عمر ، وسعيد ابن جبير والزهري وغيرهم .

وقال بعض الفقهاء إنها مندوبة .

والآية ظاهرة في الرأي الأول لقوله تعالى :

{ متاعا بالمعروف حقا على المحسنين } .

فقد جعله حقا واجبا على المحسنين ، لا ينبغي أن يهملوه .

هذا بالنسبة للمطلقات قبل الدخول بهن ، وقبل أن يقدر لهن المهر ، أما غيرهم من المطلقات فالمتعة مندوبة في حقهن عند الجمهور وقال مالك وأصحابه : المتعة مندوبة في كل مطلقة وإن دخل بها ، إلا في التي لم يدخل بها ، وقد فرض لها ، فحسبها ما فرض لها ، وهو نصف لمهر المسمى ولا متعة لها .

وليس للمتعة حد معروف في الكتاب أو السنة ، ولكنها ما قال الله تعالى : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره . . . }

وقال ابن عمر أدنى ما يجزى في المتعة ثلاثون درهما .

ولعل الأنسب أن يترك تقدير المتعة إلى حال الشخص ، والأمر المتعارف عليه بين الناس ، حيث إنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان .

والمعروف كلمة واسعة ، تشمل ما عرف حسنه وما كان مناسبا للشخص ، وما يليق بأمثاله ، وهو أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان .

***