( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة . وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) . .
فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين . وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن . واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم .
والكشف عن الساق كناية - في تعبيرات اللغة العربية المأثورة - عن الشدة والكرب . فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ، ويشتد الكرب والضيق . . ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود ، إما لأن وقته قد فات ، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون : ( مهطعين مقنعي رؤوسهم )وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم ! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف . .
يوم يكشف عن ساق يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب قال حاتم أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم وقرىء تكشف وتكشف بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال ويدعون إلى السجود توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع فلا يستطيعون لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ"؛ قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد...
حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة وكشف الأمر عنه...
وقال ابن عباس: هي أشدّ ساعة تكون في يوم القيامة.
" وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطيعُونَ" يقول: ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى فلا يطيقون ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يوم يكشف عن ساق} أي يكشف عن موضع الوعيد بالشدائد والأهوال. والساق الشدة، وسميت الساق ساقا لأن الناس شدتهم في سوقهم؛ إذ بها يحملون الأحمال، فكنى بالساق عن الشدة.
وقيل أيضا: إنهم كانوا إذا ابتلوا بشدة وبلاء كشفوا عن سوقهم، فكنّى بذكره عن الشدة، لا أن يراد بذكر الساق تحقيق الساق، والله أعلم.
{ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} يحتمل أن يكون هذا على دعاء الحال، ويحتمل أن يكون على دعاء الأمر.
فأما دعاء الحال فهو أن من عادات الخلق أنه إذا اشتد بهم الأمر، وضاق، فزعوا إلى السجود. فجائز أن يكون ما حل بهم من الأحوال والشدائد يدعوهم إلى السجود، فيهمّون بذلك، فلا يستطيعون، فيكون قوله: {ويدعون إلى السجود} أي يدعوهم الحال إلى السجود فهذا دعاء الحال.
وجائز أن يؤمروا بالسجود، ويمتحنوا به...
ثم الأمر بالسجود يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون على حقيقة الفعل. ويحتمل أن يكون على الاستسلام والخضوع؛ إذ السجود في الحقيقة، هو الخضوع والاستسلام.
وقوله تعالى: {فلا يستطيعون} للأشغال التي حلت بهم والأفزاع التي ابتلوا بها...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم، بين متى ذلك كائن وواقع، فقال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} يعني: يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري هاهنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما نفى جميع شبههم التي يمكن أن يتشبثوا بها مع البيان لقدرته على ما يريد من تفتيق الأدلة وتشقيق البراهين الدال على تمام العلم اللازم منه كمال القدرة فأوصلهم من وضوح الأمر إلى حد لم يبق معه إلا العناد، أتبع ذلك تهديدهم بما يثبت ذلك قدرته عليه من يوم الفصل ومعاملتهم فيه بالعدل فقال: {يوم} يجوز أن يكون بياناً ليوم القيامة، وبنى لإضافته إلى الجملة وأن يكون ظرفاً ليأتوا، أو منصوباً بما أخذ من معنى الكلام من نحو 115: سيعلمون ما يلقون من غب هذه المعاملات وإن نالوا في هذه الدار جميع اللذات، في جميع اليوم الذي {يكشف} أي يحصل الكشف فيه، وبني للمفعول لأن المخيف وقوع 116 الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمور وخروجها عن حد الطوق، لا كونه من معين، مع أن من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه {عن ساق} أي يشتد فيه الأمر غاية الاشتداد لأن من اشتد عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهن غير محتشمات هرباً، فهو كناية عن هذا ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً، نقل هذا التأويل عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير رضي الله عنه وغيرهما، وعن انكشاف جميع الحقائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه وتركت السامع لها في مثل ضوء النهار...ولما كان هذا الكشف الذي كشف لهم المعاني في هذا القرآن إنما هو لأجل العبادة التي هي الخضوع الذي يعبر عنه بالسجود وهو آيتها وأمارة ما اشتمل عليه الباطن منها وعلامتها فيأتونها وهم قادرون عليها، ذكرهم يوماً يريدونها فيه فلا يتأتى لهم تنديماً لهم وزيادة تحسير وإظهار تظليل وتخسير لأن ظهورهم وأعضاءهم تكون طبقاً واحداً لا تنثني، فكلما أرادوا أن يسجدوا انقلبوا على أقفائهم، فقال بانياً للمفعول دلالة على إرادتهم للانقياد ورغبتهم فيه من أي داع كان، وهو دال على أن التكليف لا ينقطع إلا بدخول كل من الفريقين داره و {يدعون} أي من داعي الملك الديان {إلى السجود} توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً فيريدونه ليضروا أنفسهم مما يرون من المخاوف {فلا} أي فيتسبب عن ذلك أنهم لا {يستطيعون} أي لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم على أن تطوع لهم أعضاؤهم بما تفهمه هذه الصيغة من أن الإنسان منهم إذا أراد الفعل وعالجه بقوة فلم يطقه فإن ظهورهم تكون على حالة لا تنثني معها بل كان فيها السفافيد فيكون لهم في ذلك أشد ندم لتركهم إياه في الدنيا وهم يقدرون عليه وهو إذ ذاك نافع لهم ومعالجتهم فعله أشد معالجة وهم غير قادرين عليه وهو غير نافع لهم وإذا عجزوا مع المعالجة كانوا بدونها أعجز، وذلك أنه يبعث المرء على ما مات عليه ويحشر على ما بعث عليه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين. وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن. واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم.
والكشف عن الساق كناية -في تعبيرات اللغة العربية المأثورة- عن الشدة والكرب. فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق، ويشتد الكرب والضيق.. ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود، إما لأن وقته قد فات، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون: (مهطعين مقنعي رؤوسهم) وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.