الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ } : منصوبٌ بقولِه " فَلْيَأْتُوا " أو بإضمار اذْكُرْ ، فيكونُ مفعولاً به أو بمحذوفٍ ، وهو ظرفٌ ، أي : يومَ يُكْشَف يكونُ كَيْتَ وكَيْتَ ، أو بخاشعة ، قاله أبو البقاء . وفيه بَعْدٌ و " عن ساقٍ " قائمٌ مَقامَ الفاعلِ ، وابنُ مسعود وابن أبي عبلة " يَكْشِفُ " بالياءِ مِنْ تحتُ مبنياً للفاعلِ وهو اللهُ . وقرأ ابنُ عباس وعبد الله أيضاً " نكشِفُ " بكسر النون . وعن ابن عباس " تَكْشِفُ " بالتاء من فوق مبنياً للفاعل ، أي : الشدَّةُ والساعةُ . وعنه كذلك أيضاً مبنياً للمفعول وهيُشْكِلَةٌ ؛ لأنَّ التأنيثَ لا معنى له هنا ، إلاَّ أَنْ يُقالَ : إن المفعولَ مستترٌ ، أي : تُكْشَفُ هي ، أي : الشِّدَّةُ .

قوله : { عَن سَاقٍ } ، أي : تَكْشِفُ عن ساقِها ؛ ولذلك قال الزمخشري : " وتكشِفُ بالتاء مبنياً للفاعلِ والمفعولِ جميعاً . والفعلُ للساعةِ ، أو للحال ، أي : تَشْتَدُّ الحالُ أو الساعةُ " . وقُرِىء " يُكْشِفُ " بضمِّ الياء أو التاء وكسرِ الشين ، مِنْ " أَكْشَفَ " إذا دَخَلَ في الكَشْفِ . وأَكْشَفَ الرجلُ : إذا انقلَبَتْ شَفَتُهُ العليا لانكشافِ ما تحتَها . وكَشْفُ الساقِ كنايةٌ عن الشِّدَّةِ ، لا يَمْتري في ذلك مَنْ ذاق طعم الكلامِ ، وسَمعَ قولَ العربِ في نَظْمها ونثرها . قال الراجزُ :

عَجِبْتُ مِنْ نفسي ومن إشفاقِها *** ومِنْ طِرادي الطيرَ عن أَرْزاقِها

في سَنَةٍ قد كَشَفَتْ عن ساقِها *** حمراءَ تَبْرِي اللحمَ عَنْ عُراقها

وقال حاتم الطائي :

أخو الحربِ إنْ عَضَّتْ به الحربُ عَضَّها *** وإن شَمَّرَتْ عن ساقِها الحربُ شَمَّرا

وقال آخر :

كَشَفَتْ لهم عن ساقِها *** وبدا من الشَّرِّ الصُّراحُ

وقال آخر :

قد شَمَّرَتْ عن ساقِها فَشُدُّوا *** وجَدَّت الحربُ بكم فَجُدُّوا

وقال آخر :

صبراً أُمامُ إنَّه شرٌّ باقِ *** وقامَتِ الحربُ بنا على ساقِ

قال الزمخشري : " الكَشْفُ عن الساق والإِبداء عن الخِدام مَثَلٌ في شدةِ الأمرِ وصُعوبةِ الخَطْبِ . وأصلُه في الرَّوْعِ والهزيمةِ وتشميرِ المُخَدَّرات عن سُوْقِهِنَّ في الحرب ، وإبداءِ خِدامِهِنَّ عند ذلك .

وقال ابن قيس الرقياتِ :

تُذْهِلُ الشيخَ عن بنيه وتُبْدي *** عن خِدام العَقِليةُ العَذْراءُ

انتهى وما أحسنُ ما أَبْدَى أبو القاسمِ وجهَ علاقةِ هذا المجازِ فللَّه دَرُّه . وما أَوْرَدَه أهلُ التفسير فإنَّه مؤولٌ وكذلك حديثُ ابنِ مسعود ونحوه . قال الزمخشري : " ومَنْ أَحَسَّ بمضارِّ فَقْدِ هذا العِلْمِ عَلِمَ مقدارَ عِظَمِ منافعِه " انتهى . ويعني عِلْمَ البيان .