فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } «يوم » ظرف لقوله : «فَلْيَأْتُواْ » : أي فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق ، ويجوز أن يكون ظرفاً لفعل مقدّر : أي اذكر يوم يكشف . قال الواحدي : قال المفسرون في قوله : { عَن سَاقٍ } عن شدّة من الأمر . قال ابن قتيبة : أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه شمر عن ساقه ، فيستعار الكشف عن الساق في موضع الشدّة ، وأنشد لدريد بن الصمة :

كميش الإزار خارج نصف ساقه *** صبور على الجلاء طلاَّع أنجد

وقال : وتأويل الآية يوم يشتدّ الأمر كما يشتدّ ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق . قال أبو عبيدة : إذا اشتدّ الحرب والأمر قيل : كشف الأمر عن ساقه ، والأصل فيه من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجدّ شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عن موضع الشدّة ، وهكذا قال غيره من أهل اللغة ، وقد استعملت ذلك العرب في أشعارها ، ومن ذلك قول الشاعر :

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها *** وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقول آخر :

والخيل تعدو عند وقت الإشراق *** وقامت الحرب بنا على ساق

وقول آخر أيضاً :

قد كشفت عن ساقها فشدّوا *** وجدّت الحرب بكم فجدّوا

وقول آخر أيضاً في سنة :

قد كشفت عن ساقها حمرا *** ء تبري اللحم عن عراقها

وقيل : ساق الشيء : أصله وقوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان : أي يوم يكشف عن ساق الأمر فتظهر حقائقه ، وقيل : يكشف عن ساق جهنم ، وقيل : عن ساق العرش ، وقيل : عبارة عن القرب ، وقيل : يكشف الربّ سبحانه عن نوره ، وسيأتي في آخر البحث ما هو الحق ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . قرأ الجمهور : { يُكْشَفُ } بالتحية مبنياً للمفعول ، وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة «تكشف » بالفوقية مبنياً للفاعل : أي الشدّة أو الساعة ، وقرئ بالفوقية مبنياً للمفعول ، وقرئ بالنون ، وقرئ بالفوقية المضمومة وكسر الشين من أكشف الأمر : أي دخل في الكشف { وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } قال الواحدي : قال المفسرون : يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ، ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون ، لأن أصلابهم تيبست فلا تلين للسجود .

قال الربيع بن أنس : يكشف عن الغطاء فيقع من كان آمن بالله في الدنيا ، فيسجدون له ، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون ، لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا .

/خ52