السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

وقوله تعالى : { يوم } منصوب بقوله تعالى : { فليأتوا } أي : فليأتوا بشركائهم يوم { يكشف } أي : يحصل الكشف فيه ، بني للمفعول لأن المخيف وقوع الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمر وخروجه عن حدّ الطوق لا كونه من معين ، مع أنه من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه وتعالى { عن ساق } أي : يشتدّ فيه الأمر غاية الاشتداد ، لأنّ من اشتدّ عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهنّ غير محتشمات فهو كناية عن هذا ، ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً ، نقل هذا التأويل عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما ، وعن انكشاف جميع الخلائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها ، كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه ، فتركت السامع لها في مثل ضوء النهار ، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار : اذكر فيكون على هذا مفعولاً به وعلى الأول لا يوقف على صادقين .

تنبيه : علم مما تقرر أن كشف الساق كناية عن الشدة ، قال الراجز :

عجبت من نفسي ومن إشفاقها *** ومن طرادي الطير عن أرزاقها

في سنة قد كشفت عن ساقها *** حمراء تبرى اللحم عن عراقها

وقال : الطائي :

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها *** وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقال : آخر :

قد شمرت عن ساقها فشدوا *** وجدّت الحرب بكم فجدّوا

وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر أو الحرب قيل : كشف الأمر عن ساقه ، والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة ، وقال القرطبي : وأما ما روي أن الله تعالى يكشف عن ساقه ، فإنه تعالى متعال عن الأعضاء والأبعاض وأن ينكشف ويتغطى ، ومعناه : أن يكشف عن العظيم من أمره . وقيل : يكشف عن نوره عز وجل ، وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { عن ساق } قال : «يكشف عن نور عظيم يخرون له سجداً » وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبو موسى قال : «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون : إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا ولم نره قال : أو تعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم فيقال : فكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيخرون له سجداً ، ويبقى أقوام ظهورهم كصياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } » .

{ ويدعون } أي : من داعي الملك الديان { إلى السجود } توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً ، فيريدونه ليفدوا أنفسهم مما يرون من المخاوف { فلا } أي : فتسبب عن ذلك أنهم لا { يستطيعون } لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم فيقول الله تعالى أي : للساجدين : عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار ، قال أبو بردة : فحدثت هذا الحديث عبر بن عمر العزيز ، فقال لي : والله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ، فحلف له ثلاثة أيمان فقال : ما سمعت في أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلي من هذا الحديث ، وأما غير الساجدين فعن ابن مسعود تعقم أصلابهم ، أي : ترد عظامها بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض ، وفي الحديث وتبقى أصلابهم طبقاً واحداً ، أي : فقارة واحدة .