الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

- ثم قال تعالى : ( يوم يكشف ( عن ساق ) {[69774]}ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون )[ 42 ] .

أي : اذكر يا محمد يوم يبدو {[69775]} [ أمر ] {[69776]} عظيم ، وذلك يوم القيامة .

قال ابن عباس : يوم يكشف [ عن ساق ] {[69777]} ، هو {[69778]} يوم كرب وشدة وأمر عظيم {[69779]} .

وقرأ ابن عباس {[69780]} : " يوم نَكْشِف " {[69781]} بالنون .

وقرأ ابن مسعود {[69782]} : " يوم يَكشِف " بفتح الياء وكسر الشين {[69783]} .

وعن ابن عباس أيضا أنه قرأ " يوم تَكشف " بالتاء {[69784]} ، يريد القيامة تكشف عن أهوالها .

وروى مجاهد عن ابن عباس : " عن ساق " قال : هي أول ساعة من القيامة ، وهي[ أفظعها ] {[69785]}و[ أشدها ] {[69786]} .

وقال ابن جبير : " عن ساق " : عن شدة الأمر " {[69787]} .

وقال قتادة( عن ساق ) عن أمر فظيع/ لهم جليل {[69788]} .

وعن ابن مسعود أنه قال {[69789]} : " يتمثل الله للخلق ، يعني يوم القيامة ، حتى يمر المسلمون فيقول : من تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله لا نشرك {[69790]} به شيئا ، [ فينتهرهم ] {[69791]} مرتين أو ثلاثا ، فيقولون {[69792]} : هل تعرفون ربك ؟ فيقولون : سبحانه ، إذا اعترف لنا عرفناه . ( قال ) {[69793]} : فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا {[69794]} . ويبقى المنافقون ظهورهم طبق كأنما فيها {[69795]} السفافيد {[69796]} ، فيقولون : ربنا ! فيقول : قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون {[69797]} .

قال أبو محمد {[69798]} : فمعنى يكشف لهم عن ساق ، أي عن أمر عظيم وقدرة لا يقدر عليها إلا الله . فيعرفونه تعالى بها [ أظهر ] {[69799]} من قدرته إليهم . ولا يحل {[69800]} لأحد أن [ يتأول ] {[69801]} في هذا وما شابهه جارحة ، إذ ليست صفات الله كصفات الخلق ، كما أنه ليس كملثه شيء ، فاحذر أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه ، [ فغير ] {[69802]} جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات ، ومن شبه الخالق بالمخلوق فقد أوجب على الخالق الحدث ، وكفر وأبطل التوحيد ، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

وقال ابن مسعود : ينادي مناد يوم القيامة : أليس عدلا منكم {[69803]} أن ربكم خلقكم ثم صوركم ثم رزقكم ثم توليتم غيره أن {[69804]} يولي كل عبد ( منكم ما تولى ؟ ! فيقولون : بلى ، قال : فيمثل لكل قوم آلهتهم {[69805]} التي كانوا ) {[69806]} يعبدونها ، فيتبعونها حتى توردهم النار ، ويبقى أهل[ الدعوة ] {[69807]} ، فيقول بعضهم لبعض : ماذا تنتظرون ؟ ( ذهب الناس ) {[69808]} ! فيقولون : ننتظر أن ينادى[ بنا ] {[69809]} . قال : فيجيء {[69810]} في صورة ، فذكر منها ما شاء الله ، فيكشف عما شاء أن يكشف ، فيخرون سجدا {[69811]} إلا المنافقين ، فإنه يصير فقار أصلابهم عظما واحدا مثل[ صياصي ] {[69812]} البقر ، فيقال {[69813]} لهم : ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم . ثم ذكر قصة طويلة {[69814]} .

وذكر أبو سعيد الخدري {[69815]} : عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك وأطول {[69816]} .

والعرب تقول : انكشف الأمر عن ساق ، أي : عن هول وأمر غليظ شديد {[69817]} . وأصل هذا أن الرجل إذا جد في أمر فيه صعوبة وشدة تشمر {[69818]} وكشف عن ساقه ، فجعل الساق في موضع الشدة {[69819]} .

- وقوله {[69820]} : ( ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون )[ 42 ] .

أي : [ ويدعى ] {[69821]} أهل النفاق إلى السجود لله عند ظهور الأمر الشديد فلا يستطيعون السجود .

ودل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، لأن الكلام على أنهم كانوا قبل ذلك يستطيعون السجود فتركوه . ودعاؤهم إلى السجود إنما هو على طريق التوبيخ لهم ليوقفوا على فعلهم {[69822]} في الدنيا إذ دعوا إلى السجود وهو سالمون لينتفعوا به فلم يفعلوا .

روي أن أصلابهم تجف عقوبة فلا يطيقون السجود {[69823]} .


[69774]:- ساقط من ث.
[69775]:- ث: يبد.
[69776]:- م, أ: امن.
[69777]:- ساقط من م.
[69778]:- أ, ث: وهو.
[69779]:- انظر جامع البيان 29/38, والدر8/254.
[69780]:-ث: ابن القاسم. ولم أجد هذا العلم في الغاية لابن الجزري, ولم أجد عنه أيضا هذه القراءة.
[69781]:- أ: يكشف. وانظر: قراءة ابن عباس في المختصر لابن خالويه160 والمحرر 16/87, وهي قراءة ابن مسعود في إعراب النحاس 5/15 وقراءة أبي مجلز وابن يعمر والضحاك أيضا في زاد المسير 8/340.
[69782]:- أ: ابن عباس .
[69783]:- انظر : إعراب النحاس 5/15, وزاد المسير 8/340 وحكاها عن ابي بن كعب أيضا.
[69784]:- جامع البيان 29/42, وإعراب النحاس 5/45 والمحتسب 2/326.
[69785]:-م: أفظحها, ث: أقطعها. وانظر: معنى الفظاعة في، ص إحالة.
[69786]:-م: وأشرها. وانظر جامع البيان 29/39.
[69787]:-ث: الأمن, وانظر جامع البيان 29/39., والدر 8/255, وقاله ابن قتيبة في الغريب 481, وفي المشكل 137 حكاه عن قتادة.
[69788]:- وانظر جامع البيان 29/39, والدر 8/255.
[69789]:-منطمس في أ.
[69790]:- أ, ث: ولا يشرك.
[69791]:- م: فينتهوهم. ويقال" نهر الرجل ينهره نهرا وانتهره: زجره. اللسان: نهر.
[69792]:- أ: فيقول.
[69793]:- ساقط من أ.
[69794]:- ث: ساجد.
[69795]:- أ: فيه.
[69796]:-: السفافيد" جمع: سَفَُود وسُفُّود- بالتشديد-: حديدة ذات شُعب معقفة, معروف, يشوي به اللحم" اللسان( سفد) بتصرف في الترتيب.
[69797]:-جامع البيان 29/39.
[69798]:- أ: قال أبو محمد مؤلفه رضي الله عنه.
[69799]:- م: ث: ظهر.
[69800]:- أ: فلا يحل.
[69801]:- م, ث: يتناول.
[69802]:- م: بغبر, ث: بغير.
[69803]:- كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب أن يقال:" أليس عدلا من ربكم" كما عو لفظ ابن مسعود في جامع البيان 29/39.
[69804]:-أ: أي.
[69805]:- ث: لكم قول المتهم.
[69806]:- ما بين قوسين ساقط من ب.
[69807]:- م: الوعدة.
[69808]:- ساقط من أ.
[69809]:- أ: تنظر أن ينادا ربنا. ث: تنتظرون ينادى بنا. و[بنا] ليست في م.
[69810]:- ك: لهم.
[69811]:- أ: ساجدا.
[69812]:- م: صناصى ث: مناضى. والصياصي جمع صيصية وهي القرون: انظر: النهاية لابن الأثير 3/67.
[69813]:-ث: فيقول.
[69814]:- انظر جامع البيان 29/39, والدر 8/257-258.
[69815]:- هو سعد بن مالك أبو سعيد الخدري الخزرجي الأنصاري المدني, صحابي ملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه أحاديث كثيرة, توفي بالمدينة سنة 74هـ. انظر الاستبصار: 128, وصفة الصفوة 1/714, والاستيعاب:2/602.
[69816]:- أخرجه البخاري في كتاب التوحيد, باب قول الله تعالى:( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)[ القيامة:22,23]. ح: 7439 بطوله عن أبي سعيد. وبنحو ذلك أخرجه مسلم في كتاب الإيمان, باب رؤية الله سبحانه في الآخرة. والطبري في جامع البيان29/41. وانظر كتاب التوحيد لابن خزيمة 172-173. وتفسير ابن كثير.
[69817]:- غريب ابن قتيبة 481 والمشكل 137 ومعاني الزجاج 5/210. ومفردات الراغب 256, واللسان: سوق.
[69818]:- تشمر للآمر: أي تهيأ... والتشمير في الأمر, والتشمير: الجد فيه والاجتهاد* اللسان: ( شمر).
[69819]:- أ: فجعل الساق موضع.
[69820]:- أ: قوله.
[69821]:-م: ويدع.
[69822]:-ث: فعليهم.
[69823]:- ث: فلا يطيقون إلى السجود. وانظر: ما ورد من الرواية عن هذا المعنى في ما يأتي.