المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

32- الذين يجتنبون ما يكبر عقابه من الذنوب وما يعظم قبحه منها ، لكن الصغائر من الذنوب يعفو الله عنها ، إن ربك عظيم المغفرة ، هو أعلم بأحوالكم ، إذ خلقكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم في أطواركم المختلفة ، فلا تصفوا أنفسكم بالتزكي مدحاً وتفاخراً ، هو أعلم بمن اتقى ، فزكت نفسه حقيقة بتقواه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

ثم يحدد الذين أحسنوا هؤلاء ، والذين يجزيهم بالحسنى . . فهم :

( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش . إلا اللمم ) . .

وكبائر الإثم هي كبار المعاصي . والفواحش كل ما عظم من الذنب وفحش . واللمم تختلف الأقوال فيه . فابن كثير يقول : وهذا استثناء منقطع لأن اللمم من صغار الذنوب ومحقرات الأعمال . قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ، عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " إن الله تعالى إذا كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة . فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال : زنا العين النظر ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي . ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه . فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم . وكذا قال مسروق والشعبي .

وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي ، قال : سألت أبا هريرة عن قول الله : إلا اللمم قال : القبلة والنظرة والغمزة والمباشرة . فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل . وهو الزنا .

فهذه أقوال متقاربة في تعريف اللمم .

وهناك أقوال أخرى :

قال علي بن طلحة عن ابن عباس : إلا اللمم إلا ما سلف . وكذا قال زيد بن أسلم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن منصور ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الآية : إلا اللمم قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه .

وقال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) . . قال : هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب . وقال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]

إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما ?

وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن عثمان البصري عن أبي عاصم النبيل . ثم قال : هذا حديث صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق . وكذا قال البزار لا نعلمه يروى متصلا إلا من هذا الوجه .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيع . حدثنا يزيد بن زريع . حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - [ اراه رفعه ] في ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) . قال : اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود . واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود . واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود . قال : فذلك الإلمام . .

وروي مثل هذا موقوفا على الحسن .

فهذه طائفة أخرى من الأقوال تحدد معنى اللمم تحديدا غير الأول .

والذي نراه أن هذا القول الأخير أكثر تناسبا مع قوله تعالى بعد ذلك : ( إن ربك واسع المغفرة ) . . فذكر سعة المغفرة يناسب أن يكون اللمم هو الإتيان بتلك الكبائر والفواحش ، ثم التوبة . ويكون الاستثناء غير منقطع . ويكون الذين أحسنوا هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش . إلا أن يقعوا في شيء منها ثم يعودوا سريعا ولا يلجوا ولا يصروا . كما قال الله سبحانه : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله - ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) . . وسمى هؤلاء [ المتقين ] ووعدهم مغفرة وجنة عرضها السماوات والأرض . . فهذا هو الأقرب إلى رحمة الله ومغفرته الواسعة .

وختم الآية بأن هذا الجزاء بالسوءى وبالحسنى مستند إلى علم الله بحقيقة دخائل الناس في أطوارهم كلها .

( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ) . .

فهو العلم السابق على ظاهر أعمالهم . العلم المتعلق بحقيقتهم الثابتة ، التي لا يعلمونها هم ، ولا يعرفها إلا الذي خلقهم . علم كان وهو ينشيء أصلهم من الأرض وهم بعد في عالم الغيب . وكان وهم أجنة في بطون أمهاتهم لم يروا النور بعد . علم بالحقيقة قبل الظاهر . وبالطبيعة قبل العمل .

ومن كانت هذه طبيعة علمه يكون من اللغو - بل من سوء الأدب - أن يعرفه إنسان بنفسه ، وأن يعلمه - سبحانه - بحقيقته ! وأن يثني على نفسه أمامه يقول له : أنا كذا وأنا كذا :

( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) . .

فما هو بحاجة إلى أن تدلوه على أنفسكم ، ولا أن تزنوا له أعمالكم ؛ فعنده العلم الكامل . وعنده الميزان الدقيق . وجزاؤه العدل . وقوله الفصل . وإليه يرجع الأمر كله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

{ الذين يجتنبون كبائر الإثم } ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه . وقيل ما أوجب الحد . وقرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على إرادة الجنس أو الشرك . { والفواحش } ما فحش من الكبائر خصوصا . { إلا اللمم } إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر ، والاستثناء منقطع ومحل { الذين } النصب على الصفة أو المدح أو الرفع على أنه خبر محذوف . { إن ربك واسع المغفرة } حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ، أو له أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها ، ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى . { هو أعلم بكم } أعلم بأحوالكم منكم . { إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحينما صوركم في الأرحام . { فلا تزكوا أنفسكم } فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير ، أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل . { هو أعلم بمن اتقى } فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

قوله جلّ ذكره : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ } .

الذنوبُ كلُّها كبائر لأنها مخالِفةٌ لأمر الله ، ولكن بعضَها أكبرُ من بعضٍ . ولا شيءَ أعظمُ من الشِّرك . { وَالْفَوَاحِشَ } المعاصي .

{ إِلاَّ اللَّمَمَ } : تكلموا فيه ، وقالوا : إنه استثناء منقطع ، واللمم ليس بإثم ولا من جملة الفواحش .

ويقال : اللمم من جملة الفواحش ولكن فيها اشتباهاً - فأخبر أنه يغفرها .

ويقال : اللمم هو أن يأتيَ المرءُ ذلك ثم يُقْلِعَ عنه بالتوبة .

وقال لعضُ السَّلَفِ : هو الوقعة من الزِّنا تحصل مرةً ثم لا يعود إليها ، وكذلك شرب الخمر ، والسرقة . . . وغير ذلك ، ثم لا يعود إليها .

ويقال : هو أن يهم بالزَّلَّة ثم لا يفعلها .

ويقال : هو النظر . ويقال : ما لا حدَّ عليه من المعاصي ، وتُكَفِّر عنه الصلوات . ( والأصحُّ أنه استثناء منقطع وأن اللمم ليس من جملة المعاصي ) .

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسَعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } .

{ إِذْ أَنَشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ } : يغني خَلْقَ آدم .

ويقال : تزكيةُ النَّفْسِ من علامات كَوْنَ المرءِ محجوباً عن الله ؛ لأنَّ المجذوب إلى الغاية والمستغرق في شهود ربِّه لا يُزكِّي نفسه .

{ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } : لأنه أعلمُ بكم منكم .

ويقال : مَنْ اعتقد أنَّ على البسيطة أحداً شرٌّ منه فهو مُتَكَبِّرٌ .

ويقال : المسلمُ يجب أنْ يكونَ بحيث يرى كلَّ مسلمٍ خيراً منه : فإن رأى شيخاً ، قال : هو أكثرُ منِّي طاعةً وهو أفضلُ منِّي ، وإنْ رأى شاباً قال : هو أفضلُ مني لأنه أقلُّ منِّي ذَنْباً .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

31

المفردات :

الذين يجتنبون : ( الذين ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم الذين يجتنبون . . . ، والجملة بيان لمن اهتدى .

كبائر الإثم : ما عظم من الذنوب ، وما كبر عقابه .

الفواحش : جمع فاحشة ، وهي ما فحش من الكبائر ، يقال : فحش يفحش فحشا ، أي : قبح أشد القبح ، مثل : الزنا والسرقة والقتل .

إلا اللمم : إلا ما قلَّ وصغر من الذنوب ، وأصله : ما قل قدره ، ومنه : لمة الشعر ، لأنها دون الوفرة .

فلا تزكوا أنفسكم : فلا تصفوها بالطهارة .

أجنّة : جمع جنين ، وهو الولد ما دام في بطن أمه .

التفسير :

32- { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } .

من سعة رحمة الله وفضله أن يمدح عباده المتقين ، وأن يصفهم باجتناب كبائر الذنوب ، مثل : السحر واليمين الغموس ، والتولّي يوم الزحف ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين ، وهم يبتعدون عن الفواحش – جمع فاحشة – وهي ما تناهى قبحها عقلا وشرعا ، كالزنا والسرقة والقتل .

إلا ما قل وصغر من الذنوب .

قال القرطبي :

وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله ، كالقبلة والغمزة والنظرة .

وقال ابن كثير : اللمم : صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال .

وعن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " xii . رواه الشيخان ، وأحمد .

وقال عبد الرحمن بن نافع : سألت أبا هريرة عن قول الله : إلا اللمم . فقال : القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة ، فإذا مس الختان الختان ، فقد وجب الغسل وهو الزنا .

وروى ابن جرير ، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية : إلا اللمم ، قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه .

قال الشاعر :

إن تغفر اللهم تغفر جمّا *** وأي عبد لك ما ألمّا ؟

وعن الحسن في قوله تعالى :

{ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ . . . }

قال : اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ثم لا يعودxiii . 1ه .

لقد فتح الله تعالى أبواب التوبة أمام التائبين ، وحث عباده على ذلك ، ودعاهم إلى التوبة في كل وقت ، وبذلك يتخلص الإنسان من الإحباط والإثم ، والشعور بالدّونية ، حيث يتطهر ويصلي ركعتين بنية التوبة ، ويسأل الله تعالى أن يغفر له ، وأن يتوب عليه ، فيجيبه الغفور الرحيم .

قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . } ( الزمر : 53 )

وقال سبحانه وتعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } . ( طه : 82 )

وهذه الآية الكريمة تتحدث عن فضل الله ورحمته ، فتقول : إن ربك واسع المغفرة . . . فرحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء ، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها .

قال البيضاوي : ولعله عقّب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين ، لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ، ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى .

{ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ . . . }

حيث خلق أبانا آدم من الأرض ، فقد خلقه من التراب ، واختلط التراب بالماء فصار طينا ، وترك الطين فترة حتى تغيّر فأصبح حمأ مسنونا ، وبعد فترة أصبح كالفخار ، فهي مراحل مرّ بها الإنسان .

وقال بعض المفسرين :

الإنسان مكون من النطفة ، وهي خلاصة الدم ، والدم خلاصة الغذاء ، والغذاء يأتي من الأرض .

{ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ . . . }

أي : وهو أعلم بكم وقت كونكم في بطون أمهاتكم على أطوار مختلفة بعضها يلي بعضا ، وهو سبحانه عليم بما في الأرحام ، وما ينتظر الجنين من رزق ، وسعادة أو شقاوة .

والإله العليم ينبغي أن نعتمد عليه ، وأن نتذكر نعماءه ، وأنه سبحانه يرى ويطّلع ، ويحاسب ويجازي .

{ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } .

لا تمدحوا أنفسكم على سبيل الإعجاب ، ولا تشهدوا لها بالكمال والتقى ، فإن النفس خسيسة ، إذا مُدحت اغترّت وتكبّرت .

أو الزموا الإخلاص وصدق المراقبة لله ، والخوف من غضب الجبار ، ومن سوء الخاتمة ، فإن الله مطلع على عبيده ، وهو عليم بمن أخلص العمل واتقى من ربّه في السر والعلن .

والآية دعوة إلى التوبة ، والمسارعة إلى رحمة الله وفضله ، وفيها دعوة إلى الإخلاص ، مع الخوف من الله ، والرجاء في رحمته ، واليقين بسعة علمه ومراقبته ، واطلاعه على الظاهر والباطن سبحانه وتعالى .

قال المفسرون :

نهى القرآن عن تزكية المرء نفسه وعن مدحها والثناء عليها ، أو ادعاء العصمة من الصغائر ، أو الطهارة من المعاصي ، لأن العاقبة مجهولة ، وعلينا أن نحمد الله على الطاعة ، وأن نحذر المعصية ، فالله هو العليم بمن اتقى المعاصي ، وعلينا ألا نمدح الآخرين في وجوههم .

روى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويلك ، قطعت عنق صاحبك – مرارا- إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة ، فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ، ولا أزكّي على الله أحدا ، أحسبه كذا وكذا ، إن كان يعلم ذلك " . xiv

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

ثم وصف المحسنين بقوله : { الذين يجتنبون كبائر الإثم } ما كبر عقابه من الذنوب . { والفواحش } ما عظم قبحه من الكبائر . { إلا اللمم } ما صغر من الذنوب ؛ كالنظرة والغمزة والقبلة ؛ من قولهم : ألمّ بالمكان ، إذا قل لبثه فيه . وألمّ بالطعام : إذا قل أكله منه . وقيل : هو مقاربة الذنب من غير مواقعته ؛ فهو الهم به دون أن يفعله . من قولهم : ألم الشيء : قرب . وألم بكذا : قاربه ولم يخالطه . والجمهور على أن الذنوب منقسمة إلى كبائر وضغائر . وضابط الكبيرة : ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد في الكتاب أو السنة . وقيل : كل جريمة تؤذن بقلة اكثرات مرتكبها بالدين ورقة الديانة . وقيل غير ذلك . واعتمد الواحدي أنه لا حد لها يحصرها ويعرفها العباد به . وقد أخفى الله أمرها ليجتهدوا في اجتناب المنهى عنه رجاء أن تجتنب الكبائر . وعرفها بعضهم بالعد ، ومنها الموبقات السبع [ تراجع الزواجر لابن حجر ] .

{ هو أعلم بكم . . . } أي يعلم أحوالكم ، إذا أنشأكم في ضمن إنشاء أبيكم آدم من تراب . { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } فيعلم أطواركم فيها ، وحاجتكم إلى الغداء ، ويعلم العدد والذكورة والأنوثة ، ووقت الانفصال عن الأم ، ومدة المكث في الرحم ، وغير ذلك من شئونها . { فلا تزكوا أنفسكم } أي إذا كان عدم المؤاخذة باللمم مع كونه من الذنوب ، إنما هي لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره منكم : فلا تمدحوا أنفسكم بالطهارة من الذنوب بالكلية ، بل اشكروه تعالى على فضله وواسع مغفرته .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

كبائر الإثم : الجرائم الكبرى كالقتل والسرقة وما يترتب عليه حد .

والفواحش : أيضا من الكبائر وهي ما عظُم قبحها .

اللّمم : مقاربة الذنب والدنو منه ، أو ما صغُر من الذنوب .

أنشأكم : خلقكم .

أجنّة : جمع جنين ، وهو الولد ما دام في بطن أمه .

وقد بيّن أوصافَ المحسِنين بقوله تعالى : { الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم }

يعني أن المحسنين هم الذين يبتعدون عن كبائرِ المعاصي والفواحش ، فإذا وقعوا في معصيةٍ وتابوا فَ { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة } يغفر كل ذنب كما قال تعالى : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم } [ الزمر : 53 ] . وعلى هذا يكون اللَّمَمُ هو الإتيان بالمعصِية ( من أيّ نوعٍ ) ثم يتوب عنها .

ولذلك ختم الآية بأن هذا الجزاء ، بالسُّوء والحسنى ، مستند إلى علم الله بحقيقة دخائل الناس فقال : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى } فهو أعلمُ بأحوالكم ، وعندَه الميزانُ الدقيق ، وجزاؤه العدْل ، واليه المرجع والمآل .

ويرى كثير من المفسرين أن الآية تعني أن الذي يجتنب الكبائرَ يكفِّر الله عنه الصغائرَ ، كما قال تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ النساء : 31 ] ، وهذه الآية مدنية . وعلى كل حالٍ فالله تعالى واسعُ المغفرة ، رؤوف بعباده حليم كريم .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي وخلف : الذين يجتنبون كبير الإثم بالإفراد ، والباقون : كبائر الإثم بالجمع .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

شرح الكلمات :

{ الذي يجتبون كبائر الإِثم } : أي يتجنبون كبائر الذنوب وهو كل ذنب وُضع له حد أو لعن فاعله أو تُوعد عليه بالعذاب في الآخرة .

{ والفواحش إلا اللمم } : أي الذنوب القبيحة كالزنا واللواط وقذف المحصنات والبخل واللمم صغائر الذنوب التي تكفر باجتناب كبائرها .

{ هو أعلم بكم إذا أنشأكم من الأرض } : أي خلق أباكم آدم من تراب الأرض .

{ وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } : أي وأنتم في أرحام أمهاتكم لم تولدوا بعد .

{ فلا تزكوا أنفسكم } : أي فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإِعجاب .

{ هو أعلم بمن اتقى } : أي منكم بمن اتقى منكم وبمن فجر فلا حاجة إلى ذكر ذلك منكم .

المعنى :

وقوله { الذي يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش } بيّن فيه وجه إحسان المحسنين إلى أنفسهم حين طهروها بالإِيمان وصالح الأعمال ولم يلوثوها بأوضار كبائر الإِثم من كل ما تُوعد فاعله بالنار أو بلَعْنٍ أو إقامة حدٍ ، أو غضب الرب .

والفواحش من زنا ولواط وبخل وقوله { إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } أي لكن اللمم يتجاوز عنه وهو ما ألم به المرء وتاب منه أو فعله في الجاهلية ثم أسلم ، وما كان من صغائر الذنوب كالنظرة والكلمة والتمرة . وقد فسر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . فمغفرة الله واسعة تشمل كل ذنب تاب منه فاعله كما تشمل كل ذنب من الصغائر " .

وقوله تعالى { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } أعلم بضعفنا وغرائزنا وحاجاتنا وعجزنا مِنّا نحن بأنفسنا ولذا تجاوز لنا عن اللمم الذي نُلِمُّ به بحكم العجز والضعف ، فله الحمد والمنة ، وقوله : { فلا تزكوا أنفسكم } ينهى الرب تعالى عباده المؤمنين عن تزكية المرء نفسه بإدعاء الكمال والطهر الأمر الذي كون فخراً وإعجاباً والإِعجاب بالنفس محبط للعمل كالرياء والشرك فقوله { فلا تزكوا أنفسكم } أي لا تشهدوا عليها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي وقوله { هو أعلم بمن اتقى } أي أن الله أعلم بمن اتقى منكم ربه فخاف عقابه فأدى الفرائض واجتنب المحرمات منا ومن المتقى نفسه فلذا لا تمدحوا أنفسكم له فإنه أعلم بكم من أنفسكم .

الهداية

من الهداية :

- تقرير قاعدة أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر .

- حرمة تزكية النفس وهى مدحها والشهادة عليها بالخير والفضل والكمال التفوق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

ثم ذكر وصفهم فقال : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } أي : يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات ، التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار ، كالزنا ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ، والقتل ، ونحو ذلك من الذنوب العظيمة ، { إِلَّا اللَّمَمَ } وهي الذنوب الصغار ، التي لا يصر صاحبها عليها ، أو التي يلم بها العبد ، المرة بعد المرة ، على وجه الندرة والقلة ، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين ، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء ، ولهذا قال : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ، ما اجتنبت الكبائر " [ وقوله : ] { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } أي : هو تعالى أعلم بأحوالكم كلها ، وما جبلكم عليه ، من الضعف والخور ، عن كثير مما أمركم الله به ، ومن كثرة الدواعي إلى بعض{[902]}  المحرمات ، وكثرة الجواذب إليها ، وعدم الموانع القوية ، والضعف موجود مشاهد منكم حين أنشاكم{[903]}  الله من الأرض ، وإذ كنتم في بطون أمهاتكم ، ولم يزل موجودا فيكم ، وإن كان الله تعالى قد أوجد فيكم قوة على ما أمركم به ، ولكن الضعف لم يزل ، فلعلمه تعالى بأحوالكم هذه ، ناسبت الحكمة الإلهية والجود الرباني ، أن يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه ، ويغمركم بإحسانه ، ويزيل عنكم الجرائم والمآثم ، خصوصا إذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الأوقات ، وسعيه فيما يقرب إليه في أكثر الآنات ، وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه ، ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة ، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين{[904]}  أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، فلا بد لمثل هذا أن يكون من مغفرة ربه قريبا وأن يكون الله له في جميع أحواله مجيبا ، ولهذا قال تعالى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } أي : تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح{[905]} .

{ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ فإن التقوى ، محلها القلب ، والله هو المطلع عليه ، المجازي على ما فيه من بر وتقوى ، وأما الناس ، فلا يغنون عنكم من الله شيئا ] .


[902]:- في ب: إلى فعل.
[903]:- في ب: حين أخرجكم.
[904]:- في ب: وأجود الأجودين.
[905]:- كذا في ب، وفي أ: تطهرونها، وتخبرون الناس بذلك على وجه التمدح.