غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

1

وإضافة الكبائر إلى الإثم إضافة النوع إلى الجنس لأن الإثم يشمل الكبائر والصغائر . واختلف في الكبائر وقد أشبعنا القول القول فيها في سورة النساء في قوله { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } [ الآية :31 ] والفواحش ما تزايد قبحه من الكبائر كأنها مع كبر مقدار عقابها قبيحة في الصورة كالشرك بالله . والمراد باللمم الصغائر ، والتركيب يدل على القلة ومنه اللمم المس من الجنون وألم بالمكان إذا قل لبثه فيه قال :

ألمت فحيث ثم قامت فودعت *** . . . . . . . .

وإلا صفة كأنه قيل : كبائر الإثم وفواحشه غير اللمم ، أو استثناء منقطع لأن اللمم ليس من الفواحش . عن أبي سعيد الخدري : اللمم هي النظرة والغمزة والقبلة . عن السدي : الخطرة من الذنب . وعن الكلبي : كل ذنب لم يذكر الله عز وجل عليه حداً ولا عذاباً . وعن عطاء : هي ما تعتاده النفس حيناً بعد حين .

قال جار الله : معنى قوله { إن ربك واسع المغفرة } أنه يكفر الصغائر باجتناب الكبائر ويكفر الكبائر بالتوبة . وأقول : فيه إشارة إلى أن اللمم ما لا يمكن فيه الاجتناب عنه لكل الناس أو لأكثرهم فالعفو عن ذلك يحتاج إلى سعة وكثرة ، بل فيه بشارة أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً سوى الشرك لأن غفران اللمم لا يوجب الوصف بسعة المغفرة وإنما يوجب ذلك أن لو غفر معها الكبائر . وقوله { هو أعلم بكم } إلى آخره . دليل على وجوب وقوع الغفران لأنه إذا كان عالماً بأصلهم وفرعهم كان عالماً بضعفهم ونقصهم فلا يؤاخذهم بما يصدر عنهم على مقتضى جبلتهم وطبعهم . فكل شيء يرجع إلى الأصل والأرض بطبعها تميل إلى الأسفل . والجنين أوله نطفة مذرة وآخره الاغتذاء بدماء قذرة ، وإذا كان مبدأ حاله هكذا وهو في أوسط أمره متصف بالظلم والجهل والعاقبة غير معلومه وجب عليه أن لا يزكي نفسه فإن الله تعالى أعلم بالزكي والتقي أولاً وآخراً باطناً وظاهراً ، وما أحسن نسق هذه الجمل . وقد أبعد بعض أهل النظم فقال لما ذكر أنه أعلم بمن ضل كان للكافر أن يقول : كيف يعلم الله أموراً نعلمها في البيت الخالي وفي جوف الليل المظلم ؟ فأجاب الله تعالى بأنا نعلم ما هو أخفى من ذلك وهو أحوالكم وقت كونكم أجنة . وقوله { في بطون أمهاتكم } للتأكيد فإنه إذا خرج من بطن الأم يدعى سقطاً أو ولداً . وقيل : أراد أن الضال والمهتدي حصلا على ما هما عليه بتقدير الله وبأنه كتب عليهما في رحم أمهما أنه ضال أو مهتد . وقيل : فيه تقرير الجزاء وتحقيق الجزاء وتحقيق الحشر فإن العالم بأحوال المكلف وهو جنين القادر على إنشائه من الأرض أول مرة ، عالم بأجزائه بعد التفرق ، قادر على جمعه بعد التمزق . والعامل في " إذ " هو " اذكر " أو ما يدل عليه { أعلم } أي يعلمكم وقت الإنشاء .

والخطاب للموجودين وقت نزول الآية وللآخرين بالتبعية . ويجوز أن يكون الإنشاء من الأرض إشارة إلى خلق أبينا آدم . وقوله { وإذ أنتم } يكون خطاباً لنا .

/خ62