لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (32)

قوله جلّ ذكره : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ } .

الذنوبُ كلُّها كبائر لأنها مخالِفةٌ لأمر الله ، ولكن بعضَها أكبرُ من بعضٍ . ولا شيءَ أعظمُ من الشِّرك . { وَالْفَوَاحِشَ } المعاصي .

{ إِلاَّ اللَّمَمَ } : تكلموا فيه ، وقالوا : إنه استثناء منقطع ، واللمم ليس بإثم ولا من جملة الفواحش .

ويقال : اللمم من جملة الفواحش ولكن فيها اشتباهاً - فأخبر أنه يغفرها .

ويقال : اللمم هو أن يأتيَ المرءُ ذلك ثم يُقْلِعَ عنه بالتوبة .

وقال لعضُ السَّلَفِ : هو الوقعة من الزِّنا تحصل مرةً ثم لا يعود إليها ، وكذلك شرب الخمر ، والسرقة . . . وغير ذلك ، ثم لا يعود إليها .

ويقال : هو أن يهم بالزَّلَّة ثم لا يفعلها .

ويقال : هو النظر . ويقال : ما لا حدَّ عليه من المعاصي ، وتُكَفِّر عنه الصلوات . ( والأصحُّ أنه استثناء منقطع وأن اللمم ليس من جملة المعاصي ) .

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسَعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } .

{ إِذْ أَنَشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ } : يغني خَلْقَ آدم .

ويقال : تزكيةُ النَّفْسِ من علامات كَوْنَ المرءِ محجوباً عن الله ؛ لأنَّ المجذوب إلى الغاية والمستغرق في شهود ربِّه لا يُزكِّي نفسه .

{ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } : لأنه أعلمُ بكم منكم .

ويقال : مَنْ اعتقد أنَّ على البسيطة أحداً شرٌّ منه فهو مُتَكَبِّرٌ .

ويقال : المسلمُ يجب أنْ يكونَ بحيث يرى كلَّ مسلمٍ خيراً منه : فإن رأى شيخاً ، قال : هو أكثرُ منِّي طاعةً وهو أفضلُ منِّي ، وإنْ رأى شاباً قال : هو أفضلُ مني لأنه أقلُّ منِّي ذَنْباً .