المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

66- تلاحق علمهم في الآخرة من جهل بها إلى شك فيها ، وهم في عماية عن إدراك الحق في أي شيء من أمرها لأن الغواية أفسدت إدراكهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

59

ثم يضرب عن هذا ليتحدث في موقفهم هم من الآخرة ، ومدى علمهم بحقيقتها :

( بل ادارك علمهم في الآخرة ) . .

فانتهى إلى حدوده ، وقصر عن الوصول إليها ، ووقف دونها لا يبلغها .

( بل هم في شك منها ) . .

لا يستيقنون بمجيئها ، بله أن يعرفوا موعدها ، وينتظروا وقوعها .

( بل هم منها عمون ) . .

بل هم منها في عمى ، لا يبصرون من أمرها شيئا ، ولا يدركون من طبيعتها شيئا . . وهذه أشد بعدا عن الثانية وعن الأولى :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

وقوله : { بَلِ ادَّارَكَ{[22137]} عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي : انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها .

وقرأ آخرون : " بل أدرك{[22138]} علمهم " ، أي : تساوى علمهم في ذلك ، كما في الصحيح لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل - وقد سأله عن وقت الساعة - ما المسؤول عنها بأعلم من السائل{[22139]} أي : تساوى في العجز عن دَرْك ذلك علم المسؤول والسائل .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { بَلِ ادَّرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة } أي : غاب .

وقال قتادة : { بَلِ ادَّارَكَ{[22140]} عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ } يعني : يُجَهِّلهم{[22141]} ربهم ، يقول : لم ينفذ{[22142]} لهم إلى الآخرة علم ، هذا قول .

وقال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : " بل أدرك علمهم في الآخرة " حين لم ينفع العلم ، وبه قال عطاء الخراساني ، والسدي : أن علمهم إنما يُدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك ، كما قال تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [ مريم : 38 ] .

وقال سفيان ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقرأ : " بل أدرك علمهم " قال : اضمحل علمهم في الدنيا ، حين عاينوا الآخرة .

وقوله : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } عائد على الجنس ، والمراد الكافرون ، كما قال تعالى : { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } [ الكهف : 48 ] أي : الكافرون منكم . {[22143]} وهكذا قال هاهنا : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي : شاكُّون في وجودها ووقوعها ، { بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ } أي : في عمَاية وجهل كبير في أمرها وشأنها .


[22137]:- في أ : "أدرك".
[22138]:- في أ : "ادارك".
[22139]:- صحيح مسلم برقم (8).
[22140]:- في أ : "أدرك".
[22141]:- في أ : "بجهلهم".
[22142]:- في ف : "يتقدم".
[22143]:- في ف ، أ : "منهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

وقوله : بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة سوى أبي جعفر وعامة قرّاء أهل الكوفة : بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام من «بل » وتشديد الدال من «ادّارك » ، بمعنى : بل تدارك علمهم أي تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا ، ثم أدغمت التاء في الدال كما قيل : اثّاقَلْتُمْ إلَى الأرْضِ وقد بيّنا ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته .

وقرأته عامة قرّاء أهل مكة : «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ » بسكون الدال وفتح الألف ، بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة . وكان أبو عمرو بن العلاء يُنكر فيما ذكر عنه قراءة من قرأ : «بَلْ أدْرَكَ » ويقول : إن «بل » إيجاب والاستفهام في هذا الموضع إنكار . ومعنى الكلام : إذا قرىء كذلك «بَلْ أدْرَكَ » لم يكن ذلك لم يدرك علمهم في الآخرة ، وبالاستفهام قرأ ذلك ابن محيصن على الوجه الذي ذكرت أن أبا عمرو أنكره .

وبنحو الذي ذكرت عن المكيين أنهم قرءوه ذُكر عن مجاهد أنه قرأه ، غير أنه كان يقرأ في موضع بل : أم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : حدثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، أنه قرأ «أمْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ » وكان ابن عباس فيما ذُكر عنه يقرأ بإثبات ياء في بل ، ثم يبتدىء أدّارك بفتح ألفها على وجه الاستفهام وتشديد الدال .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس في هذه الآية : «بَلى أدّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ » : أي لم يدرك .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ بَلى أدّرَاكَ عِلْمُهُمِ فِي الاَخِرَةِ إنما هو استفهام أنه لم يدرك . وكأن ابن عباس وجه ذلك إلى أن مخرجه مخرج الاستهزاء بالمكذّبين بالبعث .

والصواب من القراءات عندنا في ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قَرأَة أهل مكة والبصرة ، وهي «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ » بسكون لام بل وفتح ألف أدرك وتخفيف دالها ، والأخرى منهما عن قرأة الكوفة ، وهي بَلِ ادّرَكَ بكسر اللام وتشديد الدال من أدّارك ، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندنا . فأما القراءة التي ذُكرت عن ابن عباس ، فإنها وإن كانت صحيحة المعنى والإعراب ، فخلاف لما عليه مصاحف المسلمين ، وذلك أن في بلى زيادة ياء في قراءاته ليست في المصاحف ، وهي مع ذلك قراءة لا نعلمها قرأ بها أحد من قرّاء الأمصار . وأما القراءة التي ذكرت عن ابن محيصن ، فإن الذي قال فيها أبو عمرو قول صحيح ، لأن العرب تحقق ببل ما بعدها لا تنفيه . والاستفهام في هذا الموضع إنكار لا إثبات ، وذلك أن الله قد أخبر عن المشركين أنهم من الساعة في شكّ ، فقال : بَلْ هُمْ فِي شَكّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : بل أدرك علمهم في الاَخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لم ينفعهم يقينهم بها ، إذ كانوا بها في الدنيا مكذّبين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال عطاء الخراساني ، عن ابن عباس «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ » قال : بصرهم في الاَخرة حين لم ينفعهم العلم والبصر .

وقال آخرون : بل معناه : بل غاب علمهم في الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ » يقول : غاب علمهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : بَلِ ادّرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ قال : يقول : ضلّ علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم ، هُمْ مِنْهَا عَمُونَ .

وقال آخرون : معنى ذلك : لم يبلغ لهم فيها علم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، عن جدي ، قال : حدثنا الحسين ، عن قتَادة في قوله : بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ قال : كان يقرؤها : «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ » قال : لم يبلغ لهم فيها علم ، ولا يصل إليها منهم رغبة .

وقال آخرون : معنى ذلك : بل أدْرَكَ : أم أدرك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ » قال : أم أدرك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عثمان ، عن مجاهد «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ » قال : أم أدرك علمهم من أين يدرك علمهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب على قراءة من قرأ «بَلْ أدْرَكَ » القول الذي ذكرناه عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، وهو أن معناه : إذا قرىء كذلك وَما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ بل أدرك علمهم نفس وقت ذلك في الآخرة حين يبعثون ، فلا ينفعهم علمهم به حينئذٍ ، فأما في الدنيا فإنهم منها في شكّ ، بل هم منها عمون .

وإنما قلت : هذا القول أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب على القراءة التي ذُكِرَتْ ، لأن ذلك أظهر معانيه . وإذ كان ذلك معناه كان في الكلام محذوف قد استُغني بدلالة ما ظهر منه عنه . وذلك أن معنى الكلام : وما يشعرون أيان يُبعثون ، بل يشعرون ذلك في الآخرة ، فالكلام إذا كان ذلك معناه ، وما يشعرون أيان يبعثون ، بل أدرك علمهم بذلك في الآخرة ، بل هم في الدنيا في شكّ منها . وأما على قراءة من قرأه بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام وتشديد الدال ، فالقول الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو أن يكون معنى بل : أم ، والعرب تضع أم موضع بل ، وموضع بل : أم ، إذا كان في أوّل الكلام استفهام ، كما قال الشاعر :

فَوَاللّهِ ما أدْرِي أسَلْمَى تَغَوّلَت *** أمِ النّوْمُ أمْ كُلّ إليّ حَبِيبُ

يعني بذلك بل كلّ إليّ حبيب ، فيكون تأويل الكلام : وما يشعرون أيان يبعثون ، بل تدارك علمهم في الاَخرة : يعني تتابع علمهم في الآخرة : أي بعلم الآخرة : أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه ، بل غاب علمهم عنه ، وضلّ فلم يبلغوه ولم يدركوه .

وقوله : { بَلْ هُمْ فِي شَكّ مِنْها } يقول : بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدّقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت ، بَلْ هُمْ مِنْهمَا عمُونَ يقول : بل هم من العلم بقيامها عمون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

وقرأ جمهور القراء «بل ادارك » أصله تدارك أدغمت التاء في الدال بعد أن أبدلت ثم احتيج إلى ألف الوصل ، وقرأ أبي بن كعب فيما روي عنه «تدارك » فيما روي عنه{[9054]} ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «بل ادرك » على وزن افتعل{[9055]} وهي بمعنى تفاعل ، وقرأ سليمان بن يسار{[9056]} وعطاء بن يسار{[9057]} «بلَ ادّرك » بفتح اللام ولا همزة تشديد الدال دون ألف{[9058]} ، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وأهل مكة ، «بل أدرك »{[9059]} ، وقرأ مجاهد «أم أدرك » بدل «بل » ، وفي مصحف أبي بن كعب «أم تدارك علمهم »{[9060]} ، وقرأ ابن عباس «بل أدرك »{[9061]} وقرأ ابن عباس أيضاً «بل آدارك » بهمزة ومدة على جهة الإستفهام{[9062]} ، وقرأ ابن محيصن «بل آدرك » على الاستفهام ونسبها أبو عمرو الداني إلى ابن عباس والحسن{[9063]} .

فأما قراءة الاستفهام فهي على معنى الهزء بالكفر والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم أي أعلموا أمر الآخرة وأدركها علمهم ؟ وأما القراءات المتقدمة{[9064]} فتحتمل معنيين أحدهما «بل أدرك علمهم » أي تناهى كما تقول أدرك النبات وغيره وكما تقول هذا ما أدرك علمي من كذا وكذا فمعناه قد تتابع وتناهى علمهم بالآخرة إلى أن لا يعرفوا لها مقداراً فيؤمنوا ، وإنما لهم ظنون كاذبة أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتاً وكذلك «ادرك وتدارك » وسواها وإن جملت هذه القراءة معنى التوقيف والإستفهام ساغ وجاء إنكاراً لأن أدركوا شيئاً نافعاً ، والمعنى الثاني «بل أدرك » بمعنى يدرك أي إنهم في الآخرة يدرك علمهم وقت القيامة ، ويرون العذاب والحقائق التي كذبوا بها وأما في الدنيا فلا . وهذا هو تأويل ابن عباس ونحى إليه الزجاج ، فقوله { في الآخرة } على هذا التأويل ظرف ، وعلى التأويل الأول { في } بمعنى الباء ، و «العلم » قد يتعدى بحرف الجر تقول علمي يزيد كذا ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

وعلمي بإسدام المياه . . . . . . البيت{[9065]} .

ثم وصفهم عز وجل بأنهم { في شك منها } ثم أردف بصفة هي أبلغ من الشك وهي العمى بالجملة عن أمر الآخرة ، و { عمون } أصله عميون كحذرون وغيره .


[9054]:وهي قراءة على الأصل؛ لأن (ادارك) أصلها (تدارك) ثم حصل الإبدال والإدغام والاحتياج إلى ألف الوصل.
[9055]:قال أبو الفتح عنها: لا سؤال فيها، مع كسر اللام لسكون اللام وسكون الدال بعدها.
[9056]:هو سليمان بن يسار الهلالي، المدني، مولى ميمونة، وقيل: أم سلمة، ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة: من كبار الثالثة، مات بعد المائة، وقيل قبلها. (تقريب التهذيب).
[9057]:هو عطاء بن يسار الهلالي، شقيق سليمان بن يسار، وهو أيضا مولى ميمونة، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: بعد ذلك. (تقريب التهذيب)، وقد أجمعت كل كتب التفسير على نسبة هذه القراءة إلى سليمان وأخيه، إلا أن كتاب المحتسب لابن جني قال في الجزء الثاني صفحة 142: (ومن ذلك قراءة سليمان ابن يسار وعطاء بن السائب)، وأعتقد أن الصواب: "عطاء بن يسار"، والله أعلم.
[9058]:أكثر كتب التفسير والقراءات على هذا الضبط، وفيه تشديد الدال، إلا في المحتسب لابن جني، فقد ضبطها المحققون بسكون الدال مع فتح اللام (بل)، قال أبو حيان الأندلسي: "وذلك بناء على أن وزنه افتعل، فأدغم الدال- وهي فاء الكلمة- في التاء بعد قلبها دالا، فصار قلب الثاني للأول؛ لقولهم: اثرد، وأصله: اثترد من الثرد، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل، ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام (بل). وهذا يؤكد أن الدال مشددة لا ساكنة.
[9059]:وهي من الإدراك، قاله القرطبي، وقال في البحر المحيط: ورويت عن أبي بكر عن عاصم.
[9060]:قال ثعلبي: "إن العرب تضع (بل) موضع (أم) و (أم) موضع (بل) إذا كان في أول الكلام استفهام، ومن ذلك قول الشاعر: فوالله لا أدري أسلمى تقولت أم القول أم كل إلي حبيب؟ أي: بل كل إلي حبيب. ويروى: (تلونت) بدلا من (تقولت)، ويروى: (أم اللوم) بدلا من (أم القول).
[9061]:قال ذلك في المحتسب؛ لكنه جعل (بلى) بالياء مع الفعل (آدرك) ممدودا، ووضحها بقوله: "أما (بلى) فكأنه جواب، وذلك أنه لما قال: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) فكأن قائلا قال: ما الأمر كذلك، فقيل له: (بلى) ثم استؤنف الكلام".
[9062]:قال أبو حيان: "أي بهمزة داخلة على (ادارك) فيسقط همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام والنطق بالساكن.
[9063]:أصله: (أأدرك) فقلبت الثانية ألفا تخفيفا كراهة الجمع بين الهمزتين، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه الرواية ووجهها. قال ذلك في البحر المحيط، والقراءات المروية في هذه الجملة اثنتا عشرة قراءة، منها اثنتان فقط للقراء السبعة. وقد أحسن الإمام ابن خالويه حين قال ملخصا هذه القراءات: "يقرأ بفتح الألف وسكون الدال- وبوصل الألف وتشديد الدال وزيادة ألف بين الدال والراء، فالحجة لمن قرأ بقطع الألف أنه جعله ماضيا من الأفعال الرباعية، ومنه قوله تعالى : {إنا لمدركون}، والحجة لمن وصل وشدد وزاد ألفا أن الأصل عنده (تدارك) فحصل الإبدال والإدغام والإتيان بألف الوصل".
[9064]:هي قراءة الخبر لا الاستفهام، وهي قراءة {بل ادرك} وقد عمم الكلام على ادارك وتدارك بعد ذلك.
[9065]:الشاهد فيه أن (علم) تعدت بحرف الجر وهو الباء، كما تعدت في قولنا: علمي بزيد كذا.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{بَلِ ٱدَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ} (66)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{بل ادارك علمهم في الآخرة} يقول: علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه، وعموا عنه في الدنيا، {بل هم} اليوم {في شك منها} يعني: من الساعة {بل هم منها عمون} في الدنيا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة سوى أبي جعفر وعامة قرّاء أهل الكوفة: "بَلِ ادّارَكَ "بكسر اللام من «بل» وتشديد الدال من «ادّارك»، بمعنى: بل تدارك علمهم أي تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا، ثم أدغمت التاء في الدال...

وقرأته عامة قرّاء أهل مكة: «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ» بسكون الدال وفتح الألف، بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة. وكان أبو عمرو بن العلاء يُنكر فيما ذكر عنه قراءة من قرأ: «بَلْ أدْرَكَ» ويقول: إن «بل» إيجاب والاستفهام في هذا الموضع إنكار. ومعنى الكلام: إذا قرىء كذلك «بَلْ أدْرَكَ» لم يكن ذلك لم يدرك علمهم في الآخرة، وبالاستفهام قرأ ذلك ابن محيصن على الوجه الذي ذكرت أن أبا عمرو أنكره...

والصواب من القراءات عندنا في ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قَرأَة أهل مكة والبصرة، وهي «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ» بسكون لام بل وفتح ألف أدرك وتخفيف دالها، والأخرى منهما عن قرأة الكوفة، وهي "بَلِ ادّارَكَ" بكسر اللام وتشديد الدال من أدّارك، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا...

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه: بل أدرك علمهم في الآخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لم ينفعهم يقينهم بها، إذ كانوا بها في الدنيا مكذّبين...

وقال آخرون: بل معناه: بل غاب علمهم في الآخرة...

وقال آخرون: معنى ذلك: لم يبلغ لهم فيها علم...

وقال آخرون: معنى ذلك: بل أدْرَكَ: أم أدرك...عن مجاهد «بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ» قال: أم أدرك علمهم، من أين يدرك علمهم؟

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب على قراءة من قرأ «بَلْ أدْرَكَ»... هو أن معناه: إذا قرئ كذلك "وَما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ" بل أدرك علمهم نفس وقت ذلك في الآخرة حين يبعثون، فلا ينفعهم علمهم به حينئذٍ، فأما في الدنيا فإنهم منها في شكّ، بل هم منها عمون.

وإنما قلت: هذا القول أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب على القراءة التي ذُكِرَتْ، لأن ذلك أظهر معانيه. وإذ كان ذلك معناه، كان في الكلام محذوف قد استُغني بدلالة ما ظهر منه عنه. وذلك أن معنى الكلام: وما يشعرون أيان يُبعثون، بل يشعرون ذلك في الآخرة، فالكلام إذا كان ذلك معناه، وما يشعرون أيان يبعثون، بل أدرك علمهم بذلك في الآخرة، بل هم في الدنيا في شكّ منها. وأما على قراءة من قرأه "بَلِ ادّارَكَ" بكسر اللام وتشديد الدال، فالقول الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يكون معنى "بل": أم، والعرب تضع أم موضع بل، وموضع بل: أم، إذا كان في أوّل الكلام استفهام... فيكون تأويل الكلام: وما يشعرون أيان يبعثون، بل تدارك علمهم في الآخرة: يعني تتابع علمهم في الآخرة: أي بعلم الآخرة: أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضلّ فلم يبلغوه ولم يدركوه.

وقوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكّ مِنْها} يقول: بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدّقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت، "بَلْ هُمْ مِنْهمَا عمُونَ" يقول: بل هم من العلم بقيامها عمون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وعن ابن عباس وغيره [أنهم] قالوا: بل ادّارك علمهم في الآخرة: بل اجتمع علمهم بأن الآخرة كائنة، وهم مشركو العرب {بل هم في شك} قال: يقولون مرة: الآخرة كائنة، ثم يشكون فيها، فيقولون: ما ندري أكائنة هي أم لا {بل هم منها عمون} يعني: جهلة بها.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

لما أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لا يشعرون متى يحشرون يوم القيامة وأنهم ساخرون في ذلك، أخبر أنهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة حين يبعثهم الله، وأنه لا ينفعهم علمهم في ذلك الوقت مع شكهم في دار الدنيا. وأخبر أنهم في شك من البعث في دار الدنيا، وأنهم عمون عن معرفة حقيقته. وهو جمع (عمى) وشبه جهلهم بذلك بالعمى، لأن كل واحد منها يمنع بوجوده من إدراك الشيء على ما هو به، لأن الجهل مضاد للعلم، والعمى مناف للرؤية.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: إن الآية سيقت لاختصاص الله بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه وأن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة؟ قلت: لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب، ولا يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذي يكون فيه، وكان هذا بياناً لعجزهم ووصفاً لقصور علمهم: وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بدّ أن يكون -وهو وقت جزاء أعمالهم- لا يكون، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به. والوجه الثاني: أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك!على سبيل الهزؤ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك، فضلاً أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته. وفي: أدرك علمهم، وادارك علمهم: وجه آخر، وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفني، من قولك: أدركت الثمرة؛ لأن تلك غايتها التي عندها تعدم: وقد فسره الحسن رضي الله عنه باضمحل علمهم وتدارك، من تدارك بنو فلان: إذا تتابعوا في الهلاك فإن قلت، فما وجه قراءة من قرأ: بل أأدرك على الاستفهام؟ قلت: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك من قرأ: أم أدرك. وأم تدارك؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة...

فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاث ما معناها؟ قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم؛ وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة. ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض: كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه، لا يُخطر بباله حقاً ولا باطلاً. ولا يفكر في عاقبة. وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن؛ لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث والكفر قد عم الأرض، وكانوا قد أكثروا في التكذيب بالساعة والقطع بالإنكار لها بعضهم صريحاً، وبعضهم لزوماً، لضلاله عن منهاج الرسل وكان الذي ينبغي للعالم الحكيم أن لا يقطع بالشيء إلا بعد إحاطة علمه به، قال متهكماً بهم كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك! استهزاء به مستدركاً لنفي شعورهم بها بياناً لكذبهم باضطراب قولهم: {بل ادّارك} أي بلغ وتناهي {علمهم في الآخرة} أي أمرها مطلقاً: علم وقتها ومقدار عظمتها في هَولها وغير ذلك من نعتها لقطعهم بإنكارها وتمالؤهم عليه، وتنويع العبارات فيه، وتفريع القول في أمره -هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وكذا في قراءة الباقين: ادّارك بمعنى تدارك يعني تتابع واستحكم. ولما كانوا مع تصريحهم بالقطع في إنكارها كاذبين في قطعهم، مرتبكين في جهلهم، وقد يعبرون- دليلاً على أنه لا علم من ذلك عندهم -بالشك، قال تعالى: {بل هم في شك} ولما كانت لشدة ظهورها لقوة أدلتها كأنها موجودة، عبر بمن، أي مبتدئ {منها} ولما كانوا يجزمون بنفيها تارة ويترددون أخرى، كانت حقيقة حال من ينكر الشيء تارة على سبيل القطع وأخرى وجه الشك الوصف بالجهل البالغ به قال: {بل هم} ولما كان الإنسان مطبوعاً على نقائص موجبة لطغيانه، ومبالغته في العلو في جميع شأنه، ولا يوهن تلك النقائص منه إلا الخوف من عرضه على ديانه، الموجب لجهله. وتماديه على قبيح فعله، فقال مقدماً للجار: {منها عمون} أي ابتدأ عماهم البالغ الثابت من اضطرابهم في أمرها، فضلوا فأعماهم ضلالهم عن جميع ما ينفعهم، فصاروا لا ينتفعون بعقولهم، بل انعكس نفعها ضراً، وخيرها شراً، ونسب ما ذكر لجميع من في السماوات والأرض، لأن فعل البعض قد يسند إلى الكل لغرض، وهو هنا التنبيه على عظمة هذا الأمر، وتناهي وصفه، وأنه يجب على الكل الاعتناء به، والوقوف على حقه، والتناهي عن باطله، أو لشك البعض وسكوت الباقي لقصد تهويله، أو أن إدراك العلم من حيث التهويل بقيام الأدلة التي هي أوضح من الشمس، فهم بها في قوة من أدرك علمه بالشيء، وهو معرض عنه، فقد فوّت على نفسه من الخير ما لا يدري كنهه، ثم نزل درجة أخرى بالشك ثم أهلكها بالكلية، وأنزلها العمى عن رتبة البهائم التي لا همّ لها إلا لذة البطن والفرج، وهذا كمن يسمع باختلاف المذاهب وتضليل بعضهم لبعض فيضلل بعضهم من غير نظر في قوله فيصير خابطاً خبط عشواء، ويكون أمره على خصمه هيناً أو الشك لأجل أن أعمالهم أعمال الشاك، أو أنهم لعدم علم الوقت بعينه كأنهم في شك بل عمى، ولأن العقول والعلوم لا تستقل بإدراك شيء من أمرها، وإنما يؤخذ ذلك عن الله بواسطة رسله من الملك والبشر. ومن أخذ شيئاً من علمها عن غيرهم ضل.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

لمَّا نفَى عنهم علمَ الغيبِ وأكَّد ذلكَ بنفِي شعورِهم بوقت ما هو مصيرُهم لا محالةَ بُولغَ في تأكيدِه وتقريرِه بأنْ أضربَ عنْهُ وبيَّن أنَّهم في جهلٍ أفحشَ من جهلهِم بوقت بعثِهم حيثُ لا يعلمونَ أحوالَ الآخرةِ مُطلقاً معَ تعاضدِ أسبابِ معرفِتها على أنَّ معنى ادَّارك علمُهم في الآخرةِ تداركَ وتتابعَ علمُهم في شأنِ الآخرةِ التي ما ذُكر من البعثِ حالٌ مِن أحوالِها حتَّى انقطعَ ولم يبقَ لهم علمٌ بشيءٍ ممَّا سيكونُ فيها قطعاً لكن لا عَلى معنى أنَّه كانَ لهم علمٌ بذلكَ على الحقيقةِ ثمَّ انتفَى شيئاً فشيئاً بلْ على طريقةِ المجازِ بتنزيلِ أسبابِ العلمِ ومباديِه من الدَّلائلِ العقليةِ والسَّمعيةِ منزلةَ نفسِه وإجراءِ تساقطِها عن درجةِ اعتبارِهم كلَّما لاحظُوها مُجرى تتابعِها إلى الانقطاعِ ثمَّ أضربَ وانتقلَ عن بيانِ عدمِ علمِهم بها إلى بيانِ ما هُو أَسوأُ منه وهو حيرتُهم في ذلكَ حيثُ قيلَ: {بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا} أي في شكَ مُريبٍ من نفسِ الآخرةِ وتحققها كَمن تحيَّر في أمرٍ لا يجدُ عليه دليلاً فضلاً عن الأمورِ التي ستقعُ فيها ثمَّ أضربَ عن ذلكَ إلى بيانِ أنَّ ما هُم فيه أشدُّ وأفظعُ من الشكِّ حيثُ قيلَ: {بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} بحيثُ لا يكادونَ يُدركون دلائلَها لاختلالِ بصائرِهم بالكُليَّة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(بل ادارك علمهم في الآخرة).. فانتهى إلى حدوده، وقصر عن الوصول إليها، ووقف دونها لا يبلغها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قرأ الجمهور {ادَّارك} بهمز وصل في أوله وتشديد الدال على أن أصله (تدارك)... والذي أراه في تفسيرها على هذا الاعتبار اللغوي أن معنى التدارك هو أن علم بعضهم لَحِق علم بعض آخر في أمر الآخرة لأن العلم، وهو جنسٌ، لمّا أضيف إلى ضمير الجماعة حصل من معناه علوم عديدة بعدد أصناف الجماعات التي هي مدلول الضمير فصار المعنى: تداركت علومهم بعضها بعضاً. وذلك صالح لمعنيين: أولهما: أن يكون التدارك وهو التلاحق الذي هو استعمال مجازي يساوي الحقيقة، أي تداركت علوم الحاضرين مع علوم أسلافهم، أي تلاحقت وتتابعت فتلَّقى الخلف عن السلف علمَهم في الآخرة وتقلدوها عن غير بصيرة ولا نظر، وذلك أنهم أنكروا البعث ويشعر لذلك قوله تعالى عقبه {وقال الذين كفروا أإذا كنّا تراباً وءاباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين} [النمل: 67 -68]. وقريب من هذا قوله تعالى في سورة المؤمنين (81) {بل قالوا مثل ما قال الأولون}. الوجه الثاني: أن يكون التدارك مستعملاً مجازاً مرسلاً في الاختلاط والاضطراب لأن التدارك والتلاحق يلزمه التداخل كما إذا لحقت جماعة من الناس جماعة أخرى أي لم يرسوا على أمر واختلفت أقوالهم اختلافاً يؤذن بتناقضها، فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم عند الله من العذاب، وهذا يقتضي إثبات البعث ولكنهم لا يعذبون ثم يتزودون تارة للآخرة ببعض أعمالهم التي منها: أنهم كانوا يحبسون الراحلة على قبر صاحبها ويتركونها لا تأكل ولا تشرب حتى تموت فيزعمون أن صاحبها يركبها، ويسمونها البلية، فذلك من اضطراب أمرهم في الآخرة. وفعل المضي على هذين الوجهين على أصله. وحرف (في) على هاذين الوجهين في تفسيرها على قراءة الجمهور مستعمل في السببية، أي بسبب الآخرة...

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر {بل أدرك} بهمز قطع وسكون الدال، ومعناه؛ انتهى علمهم في الآخرة. يقال: أدرك، إذا فني...

فحاصل المعنى على قراءة الجمهور {وما يشعرون أيان يبعثون} وقد تلقى بعضهم عن بعض ما يعلمون في شأن الآخرة وهو ما اشتهر عنهم من إنكار الحياة الآخرة، أو قد اضطرب ما يعلمونه في شأن الآخرة وأنهم سيعلمون ذلك لا محالة في يوم الدار الآخرة. وحاصل المعنى على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر: ما يشعرون أيّان يبعثون فإنهم لا علم لهم بالحياة الآخرة، أي جهلوا الحياة الآخرة...

وأما جملة {بل هم في شك منها} فهو إضراب انتقال للارتقاء من كونهم اضطرب علمهم في الآخرة، أو تقلد خلفهم ما لقنه سلفهم، أو من أنهم انتفى علمهم في الآخرة إلى أن ذلك الاضطراب في العلم قد أثار فيهم شكاً من وقوع الآخرة...

وجملة {بل هم منها عمون} ارتقاء ثالث وهو آخر درجات الارتقاء في إثبات ضلالهم وهو أنهم عميان عن شأن الآخرة...

وترتيب هذه الاضرابات الثلاثة ترتيب لتنزيل أحوالهم؛ فوصفوا أولاً بأنهم لا يشعرون بوقت البعث ثم بأنهم تلقفوا في شأن الآخرة التي البعث من شؤونها علماً مضطرباً أو جهلاً فخبطوا في شك ومرية، فأعقبهم عمى وضلالة بحيث إن هذه الانتقالات مندرجة متصاعدة حتى لو قيل: بل ادّارك علمهم في الآخرة فهم في شك منها فهم منها عمون لحصل المراد. ولكن جاءت طريقة التدرج بالإضراب الانتقالي أجزل وأبهج وأروع وأدل على أن كلاً من هذه الأحوال المترتبة جدير بأن يعتبر فيه المعتبر باستقلاله لا بكونه متفرعاً على ما قبله

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون} إشارة إلى أن المشركين والكافرين والجاحدين في كل عصر اختلط عليهم الحابل بالنابل في شأن النشأة الأخرى والحياة الآخرة، وكثر منهم الخوض فيها من دون جدوى، وطال جدالهم في أمرها دون علم، فنفاها بعضهم، وشك فيها بعضهم، واستبعدها بعضهم و "العلم "هنا بمعنى الحكم والقول، أي تتابع منهم القول والحكم في شأن الآخرة من دون الوصول إلى نتيجة، وأصل "ادارك" تدارك، أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل، وإنما تكرر في هذه الآية لفظ "بل" وهو للإضراب، ثلاث مرات، تبعا لتقلب أحوالهم، وتناقض مواقفهم، ودرجات عنادهم، وحيرتهم الناشئة عن الشرك والكفر والجحود.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أي: تدارك، يعني: توالى وتتابع الحديث عنها عند كل الرسل، ومنه قوله تعالى: {حتى إذا اداركوا فيها} (الأعراف 38) يعني: جمع بعضهم على بعض. إذن: تتابع الإعلام بالآخرة عند كل رسل الله، فما منهم إلا وقد دعا إلى الإيمان بالله وباليوم الآخر، وأتى بالدليل عليه. ومع متابعة التذكير بالآخرة قال الله عنهم {بل هم في شك منها} أي: من الآخرة، فلماذا؟ يقول تعالى: {بل هم منها عمون} أي: عميت أبصارهم وبصائرهم عنها، فلم يهتدوا، ولو تفتحت عيونهم وقلوبهم آمنوا بها. يقول تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج 46) إذن: هناك شيء موجود بالفعل، لكني أغفلته، أو تغافلت عنه بإرادتي، فآيات البعث والقيامة موجودة ومتداركة، لكن الناس عموا عنها فلم يروها. ومعنى {عمون} جمع عم، وهو الذي عميت بصيرته عن دلائل القيامة الواضحة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وهكذا فقد ذكرت ثلاث مراحل لجهل المنكرين (للآخرة).

الأولى: أنّ إنكارهم وإشكالهم هو لأنّهم يجهلون خصوصيّات الآخرة «وحيث أنّهم لم يروها فهم يظنون الحقيقة خيالا».

الثّانية: أنّهم في شك من الآخرة أساساً، وسؤالهم عن زمان تحققها ناشئ من أنّهم في شك منها!.

الثّالثة: أن جهلهم وشكهم ليس منشؤهما أنّهم لا يملكون دليلا أو دلائل كافية على الآخرة، بل الأدلة متوفرة إلاّ أن أعينهم عميٌ عنها!.