المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

74- إن المنافقين يحلفون أمامك - أيها الرسول - باللَّه أنهم ما قالوا منكرا مما بلغك عنهم ، وهم كاذبون في الإنكار ، حانثون في اليمين ، وإنهم قد قالوا كلمة الكفر ، وظهر كفرهم بعد أن كان باطنا ، وما كان سبب نقمتهم عليك إلا بطرا بالنعمة ، بعد أن أغناهم اللَّه ورسوله بما حصلوا عليه من الغنائم التي شاركوا فيها المسلمين ، فإن يرجعوا إلى اللَّه بترك النفاق والندم على ما كان منهم يقبل اللَّه توبتهم ويكون ذلك خيراً لهم ، وإن يعرضوا عن الإيمان يعذبهم اللَّه في الدنيا بمختلف ألوان البلاء ، وفي الآخرة بنار جهنم ، وليس لهم في الأرض من يُدافع عنهم أو يشفع لهم ، أو ينصرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

( يحلفون باللّه ما قالوا . ولقد قالوا كلمة الكفر ، وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ) . .

والنص في عمومه يستعرض حالة المنافقين في كثير من مواقفهم ، ويشير إلى ما أرادوه مراراً من الشر للرسول - [ ص ] - وللمسلمين . . وهناك روايات تحدد حادثة خاصة لسبب نزول الآية :

قال قتادة : نزلت في عبد اللّه بن أبي . وذلك أنه اقتتل رجلان ، جهني وأنصاري ، فعلا الجهني على الأنصاري ، فقال عبد اللّه للأنصاري : ألا تنصرون أخاكم ? واللّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك . وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي - [ ص ] - فأرسل إليه فسأله ، فجعل يحلف باللّه ما قاله ، فأنزل اللّه فيه هذه الآية .

ويروي الإمام أبو جعفر بن جرير بإسناده عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه - [ ص ] - جالساً تحت ظل شجرة ، فقال : " إنه سيأتيكم إنسان ، فينظر إليكم بعين الشيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه " . فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول اللّه - [ ص ] - فقال : " علام تشتمني أنت وأصحابك ? " فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا باللّه ما قالوا ، حتى تجاوز عنهم ، فأنزل اللّه عز وجل : يحلفون باللّه ما قالوا . . . الآية .

وروي عن عروة بن الزبير وغيره ما مؤداه : أنها نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت . كان له ربيب من امرأته اسمه عمير بن سعد ، فقال الجلاس : إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن أشر من حمرنا هذه التي نحن عليها . فقال عمير : واللّه يا جلاس : إنك لأحب الناس إلي ، وأحسنهم عندي بلاء ، وأعزهم على أن يصله شيء يكره ؛ ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحني ، ولئن كتمتها لتهلكني ، ولإحداهما أهون عَلّي من الأخرى . فأخبر بها رسول اللّه - [ ص ] - فأنكرها وحلف باللّه ما قالها ، فأنزل اللّه الآيات . فقال الرجل قد قلته ، وقد عرض اللّه عليّ التوبة ، فأنا أتوب ، فقبل منه ذلك . .

ولكن هذه الروايات لا تنسجم مع عبارة : ( وهموا بما لم ينالوا )وهذه تضافر الروايات على أن المعنيّ بها ما أراده جماعة من المنافقين في أثناء العودة من الغزوة ، من قتل رسول اللّه - [ ص ] - غيلة وهو عائد من تبوك . فنختار إحداها :

قال الإمام أحمد - رحمه اللّه - حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد اللّه بن جميع عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول اللّه - [ ص ] - من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى : إن رسول اللّه - [ ص ] - أخذ العقبة ، فلا يأخذها أحد . فبينما رسول اللّه - [ ص ] - يقوده حذيفة ويسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل ، فغشوا عماراً وهو يسوق برسول اللّه - [ ص ] - فأقبل عمار - رضي اللّه عنه - يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول اللّه - [ ص ] - لحذيفة " قد . قد " حتى هبط رسول اللّه - [ ص ] - ، ورجع عمار . فقال يا عمار : " هل عرفت القوم ? " فقال : لقد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون . قال : " هل تدري ما أرادوا ? " قال : اللّه ورسوله أعلم . قال : " أرادوا أن ينفروا برسول اللّه - [ ص ] - راحلته فيطرحوه " قال : فسأل عمار رجلا من أصحاب رسول الله [ ص ] فقال : نشدتك باللّه ، كم تعلم كان أصحاب العقبة ? قال : أربعة عشر رجلاً . فقال : إن كنت منهم فقد كانوا خمسة عشر . قال : فعد رسول اللّه - [ ص ] - منهم ثلاثة قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله [ ص ] وما علمنا ما أراد القوم . فقال عمار : أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب للّه ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .

هذه الحادثة تكشف عن دخيلة القوم . وسواء كانت هي أو شيء مثلها هو الذي تعنيه الآية ، فإنه ليبدو عجيبا أن تنطوي صدور القوم على مثل هذه الخيانة . والنص يعجب هنا منهم :

( وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله ) . .

فما من سيئة قدمها الإسلام لهم ينقمون عليه هذه النقمة من أجلها . . اللهم إلا أن يكون الغنى الذي غمرهم بعد الإسلام ، والرخاء الذي أصابهم بسببه هو ما ينقمون !

ثم يعقب على هذا التعجيب من أمرهم ، بعد كشف خبيئاتهم بالحكم الفاصل :

( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ، وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ) . .

بعد هذا كله يظل باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه . فمن شاء لنفسه الخير فليدلف إلى الباب المفتوح . ومن أراد أن يمضي في طريقه الأعوج ، فالعاقبة كذلك معروفة : العذاب الأليم في الدنيا والآخرة . وانعدام الناصر والمعين في هذه الأرض . . ولمن شاء أن يختار ، وهو وحده الملوم :

( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ، وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوَاْ إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لّهُمْ وَإِن يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } .

اختلف أهل التأويل في الذي نزلت فيه هذه الآية ، والقول الذي كان قاله ، الذي أخبر الله عنه أنه يخلف بالله ما قاله . فقال بعضهم : الذي نزلت فيه هذه الآية : الجُلاس بن سويد بن الصامت .

وكان القول الذي قاله ما :

حدثنا به ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ قال : نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ، قال : إن كان ما جاء به محمد حقّا ، لنحن أشرّ من الحمير فقال له ابن امرأته : والله يا عدوّ الله ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت ، فإني إن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤاخذ بخطيئتك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس ، فقال : «يا جلاس أقلت كذا وكذا ؟ » فحلف ما قال ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : نزلت هذه الآية : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ في الجلاس بن سويد بن الصامت ، أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء ، فقال الجلاس : إن كان ما جاء به محمد حقّا ، لنحن أشرّ من حميرنا هذه التي نحن عليها فقال مصعب : أما والله يا عدوّ الله لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أخلط ، قلت : يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء ، فقال كذا وكذا ، ولولا مخافة أن أؤاخذ بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك قال : فدعا الجلاس ، فقال له : «يا جلاسُ أقُلْت الّذِي قالَ مُصْعَبُ ؟ » قال : فحلف ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ . . . الآية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي قال تلك المقالة فيما بلغني الجلاس بن سويد بن الصامت ، فرفعها عنه رجل كان في حجره يقال له عمير بن سعيد ، فأنكر ، فحلف بالله ما قالها فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كَلِمَةَ الكُفْرِ قال أحدهم : لئن كان ما يقول محمد حقّا لنحن شرّ من الحمير فقال له رجل من المؤمنين : إن ما قال لحقّ ولأنت شرّ من حمار قال : فهمّ المنافقون بقتله ، فذلك قوله : وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظلّ شجرة ، فقال : «إنّهُ سَيَأْتِيكُمْ إنْسانٌ فَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ بِعَيْنَي شَيْطَانٍ ، فإذا جاءَ فَلا تُكَلّمُوهُ فلم يلبث أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «عَلاَمَ تَشْتُمُني أنْتَ وأصْحَابُكَ ؟ » فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنهم ، فأنزل الله : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا ثم نعتهم جميعا ، إلى آخر الآية .

وقال آخرون : بل نزلت في عبد الله بن أُبيّ ابن سلولَ ، قالوا : والكلمة التي قالها ما :

حدثنا به بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا . . . إلى قوله : مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ قال : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، أحدهما من جهينة والاَخر من غفار ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار . وظهر الغفاريّ على الجهني ، فقال عبد الله بن أبيّ للأوس : انصروا أخاكم ، فوالله ما مَثَلُنا ومَثَلُ محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك وقال : لَئِنْ رَجعْنَا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل إليه فسأله ، فجعل يحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ قال : نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها . وجائز أن يكون ذلك القول ما رُوي عن عروة أن الجلاس قاله ، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي ابن سلول . والقول ما ذكره قتادة عنه أنه قال ولا علم لنا بأن ذلك من أيّ ، إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ويتوصل به إلى يقين العلم به ، وليس مما يُدرك علمه بفطرة العقل ، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جلّ ثناؤه : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ .

وأما قوله : وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا فإن أهل التأويل اختلفوا في الذي كان همّ بذلك وما الشيء الذي كان همّ به . فقال بعضهم : هو رجل من المنافقين ، وكان الذي همّ به قَتْلَ ابن امرأته الذي سمع منه ما قال وخشي أن يفشيه عليه . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : همّ المنافق بقتله ، يعني قتل المؤمن الذي قال له أنت شرّ من الحمار . فذلك قوله : وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد به

وقال آخرون : كان الذي همّ رجلاً من قريش ، والذي همّ به قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا شبل ، عن جابر ، عن مجاهد ، في قوله : وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا قال : رجل من قريش همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الأسود .

وقال آخرون : الذي همّ عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ ، وكان همه الذي لم ينله قوله : لَئِنْ رَجعْنَا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ .

وقوله : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ذكر لنا أن المنافق الذي ذكر الله عنه أنه قال كلمة الكفر كان فقيرا ، فأغناه الله بأن قتل له مولى ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته . فلما قال ما قال ، قال الله تعالى : ومَا نَقَمُوا يقول : ما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ وكان الجلاس قتل له مولى له ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته ، فاستغنى ، فذلك قوله : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .

قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا في لبني عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر مولى لبني عديّ بن كعب ، وفيه أنزلت هذه الآية : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال : كانت لعبد الله بن أبي دية ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم له .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سمعت عكرمة : أن مولى لبني عديّ بن كعب قتل رجلاً من الأنصار ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا ، وفيه أنزلت : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال عمرو : لم أسمع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من عكرمة ، يعني الدية اثني عشر ألفا .

حدثنا صالح بن مسمار ، قال : حدثنا محمد بن سنان العوفي ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفا ، فذلك قوله : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال : بأخذ الدية .

وأما قوله : فإنْ يَتُوبُوا يَكَ خَيْرا لَهُمْ يقول تعالى ذكره : فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه ، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرا لهم من النفاق . وإنْ يَتَوَلّوْا يقول : وإن يدبروا عن التوبة فيأبوها ، ويصرّوا على كفرهم يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابا ألِيما يقول : يعذّبهم عذابا موجعا في الدنيا ، إما بالقتل ، وإما بعاجل خزي لهم فيها ، ويعذّبهم في الاَخرة بالنار .

وقوله : ومَا لَهُمْ فِي الأرْضِ من وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ يقول : وما لهؤلاء المنافقين إن عذّبهم الله في عاجل الدنيا ، من وليّ يواليه على منعه من عقاب الله ، ولا نصير ينصره من الله ، فينقذه من عقابه وقد كانوا أهل عزّ ومنعة بعشائرهم وقومهم يمتنعون بهم ممن أرادهم بسوء ، فأخبر جلّ ثناؤه أن الذين كانوا يمنعونهم ممن أرادهم بسوء من عشائرهم وحلفائهم ، لا يمنعونهم من الله ولا ينصرونهم منه إذ احتاجوا إلى نصرهم . وذُكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية تاب مما كان عليه من النفاق . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : فإنْ يَتُوبُوا يكُ خَيْرا لَهُمْ قال : قال الجلاس : قد استثنى الله لي التوبة ، فأنا أتوب فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : فإنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرا لَهُمْ . . . الآية ، فقال الجلاس : يا رسول الله إني أرى الله قد استثنى لي التوبة ، فأنا أتوب فتاب ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

{ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله }

لمّا كان معظم ما أخِذ على المنافقين هو كلماتٍ دالّةً على الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من دلائل الكفر وكانوا إذا نُقِل ذلك عنهم تنصّلوا منه بالأيمان الكاذبة ، عُقّبت آية الأمر بجهادهم بالتنبيه على أنّ ما يتنصّلون به تنصلٌ كاذب وأن لا ثِقة بحَلفهم ، وعلى إثبات أنّهم قالوا ما هو صريح في كفرهم . فجملة { يحلفون } مستأنفة استئنافاً بيانياً يثيره الأمر بجهادهم مع مشاهدة ظاهر أحوالهم من التنصّل ممّا نقل عنهم ، إن اعتبر المقصود من الجملة تكذيبهم فِي حلفهم .

وقد تكون الجملة في محلّ التعليل للأمر بالجهاد إن اعتبر المقصود منها قوله : { ولقد قالوا كلمة الكفر } وما بعده ، وأن ذلك إنّما أخَّر للاهتمام بتكذيب أيمانهم ابتداء ، وأتِي بالمقصود في صورة جملة حاليَّة . ومعلوم أنّ القيد هو المقصود من الكلام المقيَّد . ويرجّح هذا أنّ معظم ما في الجملة هو شواهد كفرهم ونقضِهم عهد الإسلام ، إذ لو كان المقصود خصوص تكذيبهم فيما حلفوا لاقتُصر على إثبات مقابله وهو { ولقد قالوا كلمة الكفر } ، ولم يكن لما بعده مزيد اتّصال به .

وأيّاً ما كان فالجملة مستحقّة الفصل دون العطف .

ومفعول ما قالوا محذوف دلّ عليه قوله : { ولقد قالوا كلمة الكفر } .

وأكَّد صدور كلمة الكفر منهم ، في مقابلة تأكيدهم نفي صدورها ، بصيغة القَسم ليكون تكذيب قولهم مساوياً لقولهم في التأكيد .

وكلمةُ الكفر الكلام الدالّ عليه ، وأصل الكلمة اللفظ الواحد الذي يتركّب منه ومن مثله الكلام المفيد ، وتطلق الكلمة على الكلام إذا كان كلاماً جامعاً موجَزاً كما في قوله تعالى : { كلا إنها كلمة هو قائلها } [ المؤمنون : 8 ] وفي الحديث : « أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل »

فكلمة الكفر جنس لكلّ كلام فيه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم كما أطلقت كلمة الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله . فالكلمات الصادرة عنهم على اختلافها ، ما هي إلاّ أفرادٌ من هذا الجنس كما دلّ عليه إسناد القول إلى ضمير جماعةِ المنافقين . فعن قتادة : لا عِلْمَ لنا بأنّ ذلك من أيّ إذ كان لا خبر يوجب الحجّة ونتوصّل به إلى العلم .

وقيل : المراد كلمة صدرت من بعض المنافقين تدلّ على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فعن عروة بن الزبير ، ومجاهد ، وابن إسحاق أنّ الجُلاَسَ بضم الجيم وتخفيف اللام بنَ سُويد بننِ الصامت قال : لئن كان ما يقول محمد حقّاً لنحن أشرّ من حميرنا هذه التي نحن عليها ، فأخبَر عنه ربيبُه النبي فدعاه النبي وسأله عن مقالته ، فحلف بالله ما قال ذلك ، وقيل : بل نزلت في عبد الله بن أُبي بن سَلُول لقوله الذي حكاه الله عنه بقوله : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنّ الأعز منها الأذلّ } [ المنافقون : 8 ] فسعى به رجل من المسلمين فأرسل إليه رسول الله فسأله فجعل يحلف بالله ما قال ذلك .

فعلى هذه الروايات يكون إسناد القول إلى ضمير جمعٍ كناية عن إخفاء اسم القائل كما يقال ما بال أقوام يفعلون كذا . وقد فعله واحد ، أو باعتبار قولِ واحدٍ وسماع البقية فجُعلوا مشاركين في التبعة كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناً وإنّما قتله واحد من القبيلة ، وعلى فرض صحّة وقوع كلمة من واحد معيّن فذلك لا يقتضي أنّه لم يشاركه فيها غيره لأنّهم كانوا يتآمرون على ما يختلقونه . وكان ما يصدر من واحد منهم يتلقفه جلساؤه وأصحابه ويشاركونه فيه .

وأمّا إسناد الكفر إلى الجمع في قوله : { وكفروا بعد إسلامهم } فكذلك .

ومعنى { بعد إسلامهم } بعد أن أظهروا الإسلام في الصورة ، ولذلك أضيف الإسلام إليهم كما تقدّم في قوله تعالى : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [ التوبة : 66 ] .

والهَمّ : نيَّة الفعل سواء فُعل أم لم يفعل .

ونوال الشيء حصوله ، أي همّوا بشيء لم يحصّلوه والذي همّوا به هو الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم عند مرجعه من تبوك تواثقَ خمسةَ عشرَ منهم على أن يترصّدوا له في عَقبة بالطريق تحتها واد فإذا اعتلاها ليْلاً يدفعونه عن راحلته إلى الوادي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً وقد أخذَ عَمَّار بن يَاسِر بخطام راحلته يقودها . وكان حذيفة بن اليمان يسوقها فأحس حذيفة بهم فصاح بهم فهربوا .

وجملة : { وما نقموا } عطف على { ولقد قالوا } أي والحال أنّهم ما ينقمون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على دخول الإسلامِ المدينةَ شيئاً يدعوهم إلى ما يصنعونه من آثار الكراهية والعداوة .

والنقْم الامتعاض من الشيء واستنكاره وتقدّم في قوله تعالى : { وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا } في سورة الأعراف ( 126 ) .

وقوله : إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } استثناء تهكّمي . وهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه كقول النابغة :

ولا عيبَ فيهم غير أنّ سيوفهم *** بهِنَّ فُلُول من قِراع الكتائب

ونكتته أنّ المتكلّم يظهر كأنّه يبحث عن شيء ينقض حكمَه الخبري ونحوَه فيذكر شيئاً هو من مؤكدات الحكم للإشارة إلى أنّه استقصى فلم يجد ما ينقضه .

وإنّما أغناهم الله ورسوله بما جلبه حلول النبي عليه الصلاة والسلام بينهم من أسباب الرزق بكثرة عمل المهاجرين وبوفرة الغنائم في الغزوات وبالأمْن الذي أدخله الإسلام فيهم إذ جعل المؤمنين إخوة فانتفت الضغائن بينهم والثارات ، وقد كان الأوس والخزرج قبل الإسلام أعداء وكانت بينهم حروبٌ تفانَوا فيها قُبيل الهجرة وهي حروب بعاث .

والفضل : الزيادة في البذل والسخاء . و { مِن } ابتدائية . وفي جعل الإغناء من الفضل كنايةٌ عن وفرة الشيء المغنَى به لأنّ ذا الفضلِ يعطي الجَزل .

وعطف الرسول على اسم الجلالة في فعل الإغناء لأنّه السبب الظاهر المباشر .

{ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدنيا والآخرة وَمَا لَهُمْ فِى الأرض مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .

التفريع على قوله : { جاهد الكفار والمنافقين } [ التوبة : 73 ] على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والعكس فلمّا أمر بجهادهم والغِلظة عليهم وتوعّدهم بالمصير إلى النار ، فرّع على ذلك الإخبارَ بأنّ التوبة مفتوحة لهم وأنَّ تدارك أمرهم في مكنتهم ، لأنّ المقصود من الأمر بجهادهم قطع شافة مضرّتهم أو أن يصلح حالهم .

والتوبة هي إخلاصهم الأيمانَ . والضمير يعود إلى الكفّار والمنافقين ، والضمير في { يك } عائد إلى مصدر { يتوبوا } وهو التوبُ .

والتولّي : الإعراض والمراد به الإعراض عن التوبة . والعذاب في الدنيا عذاب الجهاد والأسر ، وفي الآخرة عذاب النار .

وجيء بفعل { يك } في جواب الشرط دون أن يقال فإن يتوبوا فهو خيرٌ لهم لتأكيد وقوع الخَيْر عند التوبة ، والإيماءِ إلى أنّه لا يحصل الخير إلاّ عند التوبة لأنّ فعل التكوين مؤذن بذلك .

وحَذف نون « يكن » للتخفيف لأنّها لسكونها تهيّأت للحذف وحسَّنه وقوع حركة بعدها والحركة ثقيلة فلذلك شاع حذف هذه النون في كلامهم كقوله : { وإن تك حسنة يضاعفها } في سورة النساء ( 40 ) .

وجملة : وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير } عطف على جملة { يعذبهم الله } الخ فتكون جواباً ثانياً للشرط ، ولا يريبك أنّها جملة اسمية لا تصلح لمباشرة أداة الشرط بدون فاء رابطة . لأنّه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في المتبوعات فإنّ حرف العطف كاف في ربط الجملة تبعاً للجملة المعطوف عليها .

والمعنى أنّهم إن تولّوا لم يجدوا من ينصرهم مِن القبائل إذ لم يبق من العرب من لم يدخل في الإسلام إلاّ من لا يعبأ بهم عَدداً وعُدداً ، والمراد نفي الولي النافع كما هو مفهوم الولي وأمّا من لا ينفع فهو حبيب وودود وليس بالولي .