أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال « لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس : والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير . فسمعه عمير بن سعد فقال : والله يا جلاس إنك لأحب الناس إليَّ وأحسنهم عندي أشراً وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه ، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ، ولأحدهما أشد عليَّ من الأخرى . فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال ، فأتى الجلاس فجعل يحلف بالله ما قال ، ولقد كذب على عمير فأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وقال : لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير . فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحلف الجلاس بالله لقد كذب عليَّ وما قلت . فأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا } الآية . فزعموا أنه تاب ، وحسنت توبته » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال « سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلاً من المنافقين يقول - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب - : إن كان هذا صادقاً لنحن شر من الحمير . فقال زيد رضي الله عنه : هو - والله - صادق ولأنت أشر من الحمار ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل ، فأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا . . . } الآية . فكانت الآية في تصديق زيد » .
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال : إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه . فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم ، وأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال « ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، أحدهما من جهينة والآخر من غفار ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار ، فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس : انصروا أخاكم ، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك .
والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } قال : نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة أن رجلاً من الأنصار يقال له الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك « والله لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير . فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له : أي عم ، تب إلى الله . وجاء الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول : والله ما قلت يا رسول الله . فقال الغلام : بلى ، والله لقد قلته فتب إلى الله ، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته ، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي ، فرفع عن النبي فقال { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } إلى قوله { فإن يتوبوا يك خيراً لهم } فقال : قد قلته وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب ، فقبل ذلك منه ، وقتل له قتيل في الإِسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان همَّ أن يلحق بالمشركين ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام : وعت أذنك » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي الله عنه قال : لما نزل القرآن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال « وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك » .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي الله عنه قال : قال رجل من المنافقين : لئن كان محمد صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير . فقال له زيد بن أرقم رضي الله عنهما : إن محمداً صادق ولأنت شر من الحمار . فكان فيما بينهما في ذلك كلام ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأتاه الآخر فحلف بالله ما قال ، فنزلت { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم « وعت أذناك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : قال أحدهم : إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير . فقال رجل من المؤمنين : فوالله إن ما يقول محمد لحق ، ولأنت شر من الحمار . فهمَّ بقتله المنافق ، فذلك همهم بما لم ينالوا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { يحلفون بالله ما قالوا } قال « هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره ، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة ، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلاً قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النبي صلى الله عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار ، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين : فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا . ومضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد ، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال : أردتم كذا وكذا ؟ فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه ، فذلك قوله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وهموا بما لم ينالوا } قال : همَّ رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال « رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً من تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مَكَرَ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال : من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئاً ، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة ، وأمر حذيفة بسوقها .
فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم ، وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن ، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر ، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أدركه قال : اضرب الراحلة يا حذيفة وامشِ أنت يا عمار ، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها ، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة : هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحداً ؟ قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان ، وقال : كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا ؟ قالوا : لا والله يا رسول الله . . . ! قال : فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها . قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم ؟ قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولوا : إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ، وقال : أكتماهم » .
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة « هل عرفت من القوم أحدا » فقال : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح ، فلما أصبح سماهم له : عبد الله بن أبي سعد ، وسعد بن أبي سرح ، وأبا حاصر الأعرابي ، وعامراً ، وأبا عامر ، والجلاس بن سويد بن صامت ، ومجمع بن حارثة ، ومليحاً التيمي ، وحصين بن نمير ، وطعمة بن أبيرق ، وعبد الله بن عيينة ، ومرة بن ربيع . فهم اثنا عشر رجلاً حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وذلك قوله عز وجل { وهموا بما لم ينالوا } وكان أبو عامر رأسهم ، وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة » .
وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال : لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي الله عنه ، وهم اثنا عشر رجلاً ليس فيهم قرشي ، وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده ، حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوا فيها قال : فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل عرفتم القوم ؟ قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب . قال : هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة . هل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا : لا . قال : أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها . قلنا يا رسول الله ، ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : لا ، إني أكره أن تحدث العرب بينها : أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ، ثم قال : اللهمَّ ارمهم بالدبيلة . قلنا يا رسول الله ، وما الدبيلة ؟ قال : شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { وهموا بما لم ينالوا } قال : أرادوا أن يتوّجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح { وهموا بما لم ينالوا } قال : هموا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه . أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلاً من الأنصار ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفاً ، وفيه نزلت { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألفاً ، وذلك قوله { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } قال : بأخذهم الدية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } قال : كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال : كان جلاس يحمل حمالة أو كان عليه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك قوله { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : ثم دعاهم إلى التوبة فقال { فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة } فأما عذاب الدنيا فالقتل ، وأما عذاب الآخرة فالنار .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن قوماً قد هموا بهم سوءاً وأرادوا أمراً فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار ، فقال : قم يا فلان قم يا فلان . فقالوا : نستغفر الله تعالى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لانا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفساً بالاستغفار أخرجوا » .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : قال لي ابن عباس رضي الله عنهما : احفظ عني كل شيء في القرآن { وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير } فهي للمشركين ، فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم .