الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

ثم قال حكاية عنهم : { يحلفون بالله ما قالوا }[ 74 ] ، وذلك أن رجلا من المنافقين ، يسمى : الجُلاس بن سويد بن الصامت ، قال : إن كان ما جاء به محمد{[29294]} حقا ، لنحن شر من الحمير ، فقال له ابن امرأته ، واسمه عمير بن سعد{[29295]} ، : والله ، إن محمدا صلى الله عليه وسلم لصادق ، ولأنت شر من الحمار ، والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بما قلت وإلا{[29296]} أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤخذ بخطيئتك ، فأعلم الله النبي عليه السلام بذلك ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل ، فحلف ما قال ، فأنزل الله عز وجل : { يحلفون بالله ما قالوا } الآية{[29297]} .

قال ابن إسحاق : بلغني أنه لما نزل فيه القرآن ، تاب وحسنت توبته{[29298]} .

وقيل : إنه سمعه يقول ذلك ، عاصم بن عدي الأنصاري{[29299]} ، وهو الذي أخبر النبي عليه السلام{[29300]} ، بذلك ، فأحضر للنبي صلى الله عليه وسلم الجُلاس وعامرا ، فحلف الجُلاس بالله ما قال ذلك ، فقال عامر : والله ، لقد قاله ، ورفع عامر يديه ، وقال : اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : آمين . فأنزل الله تصديق عامر ، فقال الجُلاس : قد عرض الله علي التوبة ، والله ، لقد قلته وصدق عامر ، وتاب الجُلاس وحسنت توبته .

ويروى أن عامرا ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه ليريد قتلك ، وفيه نزل : { وهموا بما لم ينالوا } ، أي : هموا بقتلك ولا ينالونه{[29301]} .

وقال قتادة : نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول ، رأى رجلا من غفار ، تقاتل مع رجل من جنيهة ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار ، فعلا الغفاري الجهني ، فقال عبد الله للأوس{[29302]} : انصروا أخاكم ، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمّن{[29303]} كلبك يأكلك ، { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل }{[29304]} ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه النبي عليه السلام فسأله ، فحلف ما قاله ، فأنزل الله عز وجل ، { يحلفون بالله ما قالوا }{[29305]} .

وقوله : { وهموا بما لم ينالوا }[ 74 ] .

قيل : هو الجُلاس بن سويد [ همّ ]{[29306]} بقتل ابن امرأته خوفا أن يفشي عليه ما سمع منه{[29307]} .

وقال مجاهد : همّ{[29308]} رجل من قريش يقال له الأسود ، بقتل النبي{[29309]} ، عليه السلام{[29310]} .

وقيل : هو عبد الله بن أبي بن سلول ، هم بإخراج النبي عليه السلام ، من المدينة/وهو ما حكاه الله عز وجل ، عنه : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل }{[29311]} .

وقيل : هو الجُلاس ، همّ بقتل النبي صلى الله عليه وسلم . {[29312]} .

وقوله : { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله }[ 74 ] .

والمعنى : أنهم ليس ينقمون شيئا{[29313]} .

قال الطبري ، وغيره : كان المنافق الذي قال كلمة الكفر ، حلف أنه ما قال ، قُتل له مولى ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ديته{[29314]} ، فأغناه بها ، فقال الله عز وجل ، ما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شيئا : { إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله }{[29315]} .

وهو الجُلاس{[29316]} .

وقال قتادة : كانت لعبد الله بن أبيّ دية ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ له ]{[29317]} .

قوله : { فإن يتوبوا يك خيرا لهم }[ 74 ] .

أي : إن تاب هؤلاء القائلون كلمة الكفر يك ذلك خيرا لهم من النفاق{[29318]} .

{ وإن يتولوا }[ 74 ] .

أي : يدبروا عن التوبة{[29319]} .

{ يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا }[ 74 ] .

أي : بالقتل{[29320]} ، وفي الآخرة بالنار{[29321]} .

{ وما لهم في الارض من ولي ولا نصير }[ 74 ] .

يمنعهم من العقاب ، ولا نصير ينصرهم من عذاب الله عز وجل .

{ بما لم ينالوا } ، وقف{[29322]} .

{ من فضله } ، وقف{[29323]} .

{ خيرا لهم } ، وقف{[29324]} .


[29294]:في الأصل: محمدا، وهو خطأ ناسخ.
[29295]:هو: عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، كان يقال له: نسيج وحده، سكن الشام ومات بها. انظر: الاستيعاب 3/289، 290، وفيه ذكر قصة سبب النزول.
[29296]:في المخطوطتين: ولا أفعل، وأثبت ما يستقيم به السياق.
[29297]:جامع البيان 14/361، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1843، ولباب النقول 207، مع زيادة ونقص في بعض ألفاظه.
[29298]:سيرة ابن هشام 2/551. وقال الحافظ في الإصابة 1/599، "جُلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري، كان من المنافقين ثم تاب وحسنت توبته"، وينظر: من قال ذلك أيضا في جامع البيان 14/368، 369.
[29299]:مترجم في الاستيعاب 2/332، ومصادر ترجمته هناك.
[29300]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29301]:في الأصل: ولا ينالون، ولم أقف عليه.
[29302]:في المخطوطتين: لأوس وأثبت ما في جامع البيان.
[29303]:في الأصل: سمّر، براء مهملة، وهو تحريف ناسخ.
[29304]:المنافقون آية 8، وتمامها: {ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يعلمون}.
[29305]:جامع البيان 14/364، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1843، 1844، وأسباب النزول للواحدي 256، 257. وتفسير ابن كثير 2/371، ولباب النقول 208، 209.
[29306]:زيادة من "ر".
[29307]:تفسير ابن كثير 2/372. وأخرجه الطبري في جامع البيان 14/365، بإسنادين عن مجاهد، من غير ذكر اسم المنافق، انظر: تفسير ابن أبي حاتم 6/1844.
[29308]:في الأصل: هي، وهو تحريف.
[29309]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[29310]:جامع البيان 14/366، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1845، وفيه: "عن مجاهد عن ابن عباس"، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير 3/471، عن مجاهد عن ابن عباس. وأخرجه الطبراني عن ابن عباس كما في لباب النقول 209.
[29311]:جامع البيان 14/366، وهو من قول قتادة، وقد سلف قريبا.
[29312]:هو قول مجاهد، وقد سلف قريبا، ومصادر توثيقه هناك.
[29313]:تفسير غريب القرآن لابن قتيبة 190، وتمامه نصه: "ولا يعرفون من الله إلا الصنع الجميل، وهذا.....كقول النابغة: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب. أي: ليس فيهم عيب. وأورده القرطبي في تفسيره 8/132.
[29314]:في "ر": أحسبه: فاديته، وهو تحريف. ودى القاتل القتيل يديه دية: إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، وفاؤها محذوفة، والهاء عوض، والأصل: ودية. المصابح/ودى. وفي التوقيف للمناوي 345: "الدية: المال الواجب بالجنابة على الجاني في نفس أو طرف أو غيرهما".
[29315]:جامع البيان 14/366.
[29316]:وهو قول عروة، في جامع البيان 14/366، وزاد المسير 3/472، وهو في تفسير البغوي 4/75، من غير عزو.
[29317]:زيادة من "ر"، ومصادر التوثيق أسفله. والأثر في جامع البيان 14/367، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1846، والدر المنثور 4/245.
[29318]:جامع البيان 14/367، 368، بتصرف.
[29319]:المصدر نفسه، 368، بتصرف.
[29320]:في الأصل: بالقتال، وهو تحريف.
[29321]:جامع البيان 14/368، بتصرف.
[29322]:هو كاف في القطع والإئتناف 365، والمكتفى 296، ومنار الهدى 168، وفي المقصد 168، "حسن، وقال أبو عمرو: كاف".
[29323]:هو كاف في المصادر المذكورة فوقه.
[29324]:هو كاف في المصادر نفسها، عدا المقصد.