المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

65- اليوم نُغطي على أفواههم فلا تنطق ، وتكلمنا أيديهم ، وتنطق أرجلهم شاهدة عليهم بما كانوا يعملون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

30

ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه . بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب :

( اليوم نختم على أفواههم ، وتكلمنا أيديهم ، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) . .

وهكذا يخذل بعضهم بعضاً ، وتشهد عليهم جوارحهم ، وتتفكك شخصيتهم مزقاً وآحاداً يكذب بعضها بعضاً . وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة ، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلماً .

إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

القول في تأويل قوله تعالى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىَ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ : اليوم نطبع على أفواه المشركين ، وذلك يوم القيامة وَتُكَلّمُنا أيْدِيهِمْ بما عملوا في الدنيا من معاصي الله وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ قيل : إن الذي ينطق من أرجلهم : أفخاذهم من الرجل اليُسرى بَمَا كانُوا يَكْسِبُونَ في الدنيا من الاَثام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال ، قال : قال أبو بردة : قال أبو موسى : يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة ، فيعرض عليه ربّه عمله فيما بينه وبينه ، فيعترف فيقول : نعم أي ربّ عملت عملت عملت ، قال : فيغفر الله لهم ذنوبه ، ويستره منها ، فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئا ، وتبدو حسناته ، فودّ أن الناس كلهم يرونها ويدَعى الكافر والمنافق للحساب ، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده ، ويقول : أي ربّ ، وعزّتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل ، فيقول له الملك : أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول : لا وعزّتك أي ربّ ، ما عملته ، فإذا فعل ذلك ختم على فيه . قال الأشعري : فإني أحسب أوّل ما ينطق منه لفخذه اليمنى ، ثم تلا : اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ وتُكَلّمُنا أيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثني يحيى ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن الشعبيّ ، قال : يقال للرجل يوم القيامة : عملت كذا وكذا ، فيقول : ما عملت ، فيختم على فيه ، وتنطق جوارحه ، فيقول لجوارحه : أبعدكنّ الله ، ما خاصمت إلا فيكنّ .

حدثنا بشر ، قلا : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ . . . الاَية ، قال : قد كانت خصومات وكلام ، فكان هذا آخره ، وَخَتَمَ على أفْوَاهِهِمْ .

حدثني محمد بن عوف الطائي ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن عقبة بن عامر ، أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «أوّلُ شَيْءٍ يَتَكَلّمُ مِنَ الإنْسانِ ، يَوْمَ يَخْتِمُ اللّهُ على الأَفْوَاهِ ، فَخِذُهُ مِنْ رِجْلِهِ اليُسْرَى » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

{ اليوم نختم على أفواههم } نمنعها عن الكلام . { وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } بظهور آثار المعاصي عليها ودلالتها على أفعالها ، أو إنطاق الله إياها وفي الحديث " إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

ثم أخبر تعالى محمداً إخباراً تشاركه فيه أمته في قوله { اليوم نختم على أفواههم } أي في ذلك اليوم يكون ذلك ، وروي في هذا المعنى أن الله تعالى يجعل الكفرة يخاصمون فإذا لم يأتوا بشيء تقوم به الحجة رجعوا إلى الإنكار فناكروا الملائكة في الأعمال فعند ذلك يختم الله تعالى على أفواههم فلا ينطقون بحرف ، ويأمر تعالى جوارحهم بالشهادة فتشهد{[9806]} ، وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن أول ما يتكلم من الكافر فخذه اليسرى »{[9807]} ، وقال أبو سعيد اليمني : ثم سائر جوارحه ، وروي أن بعض الكفرة يقول يومئذ لجوارحه : تباً لك وسحقاً فعنك كنت أماحل ونحو هذا من المعنى ، وقد اختلفت فيه ألفاظ الرواة ، وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده أنه قرأ «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم » بزيادة لام كي والنصب ، وهي مخالفة لخط المصحف .


[9806]:أخرج أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في(الأسماء والصفات)، وابن أبي الدنيا في التوبة،-واللفظ له- عن أنس رضي الله عنه في قوله:{اليوم نختم على أفواههم}، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نواجذه، قال: أتدرون مم ضحكت؟ قلنا: لا يا رسول الله، قال: من مخاطبة العبد ربه، فيقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ فيقول بلى، فيقول: إني لا أجيز عليّ إلا شاهدا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل. وأخرج مسلم، والترمذي، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي سعيد، وأبي هريرة: قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يلقى العبد ربه فيقول: أي رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى بالثاني فيقول مثل ذلك، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول:آمنت بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: ألا نبعث شاهدنا عليك؟ فيفكر في نفسه: من الذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، ما كان ذلك يعذر من نفسه، وذلك بسخط الله عليه)، (الدر المنثور).
[9807]:أخرجه أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، ولفظه كما في الدر المنثور، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وقوله : { اليَوْمَ } ظرف متعلق ب { نَخْتِمُ } .

والقول في لفظ { اليوم } كالقول في نظائره الثلاثة المتقدمة ، وهو تنويه بذكره بحصول هذا الحال العجيب فيه ، وهو انتقال النطق من موضعه المعتاد إلى الأيدي والأرجل .

وضمائر الغيبة في { أفواههم أيديهم أرجلهم يكسبون عائدة على الذين خوطبوا بقوله : { هذه جهنَّمُ التي كُنتم تُوعَدُون } [ يس : 63 ] على طريقة الالتفات . وأصل النظم : اليوم نختم على أفواهكم وتكلمنا أيديكم وتشهد أرجلكم بما كنتم تكسبون . ومواجهتهم بهذا الإِعلام تأييس لهم بأنهم لا ينفعهم إنكار ما أُطلعوا عليه من صحائف أعمالهم كما قال تعالى : { إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } [ الإسراء : 14 ] .

وقد طوي في هذه الآية ما ورد تفصيله في آي آخر فقد قال تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 2223 ] وقال : { وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين } [ يونس : 2829 ] .

وفي « صحيح مسلم » عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يخاطب العبد ربّه يقول : يا رب ألم تُجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى ، فيقول : إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ، فيقول الله : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ، فيُخْتم على فيه . فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكنَّ وسُحْقاً فعنكُنّ كنتُ أناضل " وإنما طُوِي ذكر الداعي إلى خطابهم بهذا الكلام لأنه لم يتعلق به غرض هنا فاقتصر على المقصود .

وقد يخيل تعارض بين هذه الآية وبين قوله : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } [ النور : 24 ] . ولا تعارض لأن آية يس في أحوال المشركين وآية سورة النور في أحوال المنافقين . والمراد بتكلم الأيدي تكلمها بالشهادة ، والمراد بشهادة الأرجل نطقها بالشهادة ، ففي كلتا الجملتين احتباك . والتقدير : وتكلمنا أيديهم فتشهد وتكلمنا أرجلهم فتشهد .

ويتعلق { بِمَا كانُوا يَكْسِبون } بكل من فعلي { تكلمنا وتشهد } على وجه التنازع . وما يكسبونه : هو الشرك وفروعه . وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما ألحقوا به من الأذى .